كتب على قصاصة ورق عتيقة وكأنها من زمن الحجارة : ( عائد بعد قليل … ) ، طوى الورقة ورمى بها على كرسي خيزران أكثر اهتراءا ، أغلق الباب بهدوء لم يعتده من ذي قبل ثم غادر …
لم يكن الفجر قد ولد بعد ، وصرير الشمس مازال غارقا في نومه ، طفله الصغير يحضن الأم الشقراء ، شعرها يعبث بوسادة حمراء اللون ، عندما بدأت خيوط الألوان تلوح في أفق ناضج ، كانت البندقية تأكل شيئا ما من كتفه العريض ، لم يأبه لصوت الرصاص الذي يدنو شيئا فشيئا ، تفقد رصاصاته المختبئة في وكرها ، ابتسم ثم حث خطاه صوب الضجيج ، تلقف الرجل سيجارة من جيبه الصامت ، نفث دخانها باتجاه السماء ، لحظات تمر بينما الأتربة تزداد في الطريق ، ضجيج الرصاص أمسى على مرمى الضوء ، اختلس رشفة أخيرة من سيجارته ثم قذف بها إلى المجهول …
فتحت الزوجة عينيها ، نظرت حولها ، لم تجده هناك ( ربما هو في الحمام … أو أنه يؤدي صلاة الفجر … ) مالبثت أن احتضنت الطفل الصغير وعاودت نومها ، كانت نسائم الفجر تلسع وجنتيها ، وعبق ياسمينة استيقظت مبكرا يملأ المكان …
الرفيق كان ينتظر قدومه بشيء من الترقب واللهفة ، يخشى ألا يأتي ، لكن ظله لاح مع أشعة الشمس التي حضرت لتوها ، ابتسم هو الآخر ، محاورة من نوع خاص ، ولقاء يحتفل بمرور ليلة من ليالي الربيع ، النهار يمضي مسرعا ، الرصاص يعانق بعضه في شغف ( أين أبي ) سأل الطفل الصغير …
أطلق الغسق رصاصته الأخيرة ، البندقية تعرف درب الرجوع ، الورقة مازالت تمكث على كرسي الخيزران ، رائحة البارود تأتي مع أول عائد …
………….