قصة

دعاء

جابر خمدن

كان كلما دخل عليها الحجرة وجدها تبكي. كتاب الأدعية بين يديها، عيونها مغرورقة بالدموع. صار يتحسر في نفسه: ” إمرأة صالحة، هنيئا لها، وهنيئا لي أن تكون زوجتي؛ هكذا العبادة الحقة، الأنس بالله في الأسحار، أين أنا منها؟ كم مرة أقرأ الأدعية ولم تسقط دمعة واحدة، حتى أروع الأدعية وأكثرها وقعا على النفس لم تفلح في تليين قلبي، أخاف أن يتحور ذات يوم إلى صوان”.
ملاكه الحارس كان يربت على كتفه ويناجيه:” تخلص من سهام إبليس ونفثه، بعدها ستهطل الدموع “. بدأت عيناه تقطر قبل ليلة القدر. كانا يقرآن القرآن والأدعية معا. فرح كثيرا، لقد ترقى في سلم الإيمان حتى لحق بها.
في الليلة المباركة حجرتهم صارت مسجد. زحف المحراب إليهم، وجداه في زاوية الغرفة. برنامج الإحياء كان مثل حروف خضراء تنير الذاكرة.
يتهجدان بصوت ملائكي. يقرآن نفس الدعاء معا في تلك الليلة، عندما وصلا إلى هذه الفقرة ” ومن الحور العين فزوجنا” سمع بكاء زوجته، قطعت نياط قلبه. بعد لحظات سمعها تدعو بحرقة وترفع يديها :” اللهم فرق بينه وبينهن يالله، اجعلها حسرة في قلبه إلى قيام يوم الدين آمين يارب العالمين”.
جحظت عيناه ، نبتت ألف علامة تعجب في الحجرة، ثم قام ووقف قبالتها وقد تغيرت ألوانه:
_هذا سبب بكاؤك كل ليلة، وأنا كنت أظنك تشهقين من مخافة الله، يعني حرمتيني من الزواج بالثانية في الدنيا فصبرت، ولكن وصل الأمر بك إلى أن تدعي الله أن يفرق بيني وبين الحور العين، حتى في الآخرة تعترضين على نعم الله.
وقفت وهي ترعد:
_نعمة الله بالنسبة إليك، أما أنا فأعتبرها نقمة.
_لاحول ولا قوة إلا بالله لاتكفري بنعمة الله يا امرأة، وأنا أحذرك إن لم تسحبي دعوتك، فسوف تخسريني إلى الأبد.
احتد الجدال بينهما؛ ارتفعت الملائكة إلى السماء؛ هرب المحراب إلى المسجد. تسللت الشياطين، كرعت كؤوس الخمر، عربدت، عزفت تراتيل الفراق. تلك الليلة المباركة صارت أسوأ ليلة منذ ألف شهر وتوجت بطلاق في مطلع الفجر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى