دراسات و مقالات

دراسة نقدية ذرائعية لديوان ( مرايا من ماء ) للشاعرة نبيلة حماني الدراسة من إعداد الناقد الذرائعي : عبد الرحمن الصوفي / المغرب

عنوان الدراسة : رباعية ( الذات – الطبيعة – قلق السؤال – التفاؤل الوجداني

 

 أولا : المقدمة
يعود أصل الشعر العربي إلى شبه الجزيرة العربية فترة ما قبل الإسلام ، إذ حرص العرب على ربط مفاجآت حياتهم الخاصة ومناسباتهم وأحداث فترتهم بقصائد شعرهم ، فعملوا على تطوير صورة القصيدة شكلا ومضمونا . كان لهذا التطور نتائجه الهامة ، التي لازالت محفوظة في الكتب التاريخية القديمة ، فانتزع الشعر معها صفة ( الشعر ديوان العرب ) . مع وصول الإسلام إلى الجزيرة العربية حافظ الشعر على تطوره ، لكن أصبح الشعراء أكثر حذرا والتزاما بقواعد الدين الإسلامي في كتابة القصيدة الشعرية ، فاختلفت الألفاظ والعبارات المستعملة في هذا العصر عن العصر السابق له ، كما ساهم انتشار الإسلام واللغة العربية إلى انتقال الشعر من الجزيرة العربية إلى بلدان وبيئات جديدة ساهمت في تطور القصيدة الشعرية بشكل كبير .
تبعا لهذا التطور عرف الشعر العربي مسارات متعددة خاصة بعد الثورة الصناعية في أوروبا ، التي أخذ معها الشعراء والأدباء عموما مسالك كثيرة منها ثورة الشكل والمضمون ، وظهور التجديد في الأدب عموما بحد الحداثة أدى إلى تغيرا ت ملحوظة في مزاجية الإنسان وتطلعاته المستقبلية لفكرية والفلسفية …
ستكون منهجيتنا في التحليل منهجية تطوف بالقارئ بين قشرة نصوص ديوان (مرايا من ماء )
وصولا إلى أعمق نقط فيه متنقلين بين مداخل الذرائعية في التطبيق في تحليل النص العربي . الترقيم الذي اعتمدناه في الدراسة هو تنظيمي لا غير ، نطلب الله التوفيق والسداد …
——————————————
ثانيا : توطئة
جاء في ( الذرائعية في التطبيق / لكاتبه عبدا لرزاق عودة ألغالبي ) ، في تقديم الكتاب الذي أعده الشاعر محمود حسن عبد التواب ما يلي : ( اطلعت على جميع الكتابات والأفكار والرؤى والنظريات النقدية ، وقرأت أحمد أمين ومحمد غنيمي وجاك دريدا وعبد المنعم عجب الفيا ونقد التفكيك ، وكراهام هاف ، والدكتور عبدالكريم أسعد قحطان وأنريك أندرسون آمبرت ، والدكتور وليد قصاب وآثرأزابرجر وعبدا لله غادومي والدكتور سعيد علوش وعباس العقاد وأحمد غنيمي وسوسير وكرماس وآخرين …وخرجت بحصيلة لا بأس بها من الأدب الرصين عراب المجتمع ، وهو رباعي التكوين من سلوك نفسي وتقمص وجداني وعقل معمد بإحساس عال ، يتناص مع تجارب المبدعين في المعمورة ، وفن تشكيلي مموسق ، أما النقد فهو عراب الأدب والأديب، وهو أهم علم من علوم الأدب ، وتلك بديهية لا تحتاج إلى إثبات أو تحقيق ، لكن ما أريد قوله ، ، مع أهمية النقد للأدب وللمجتمع ، فإني لم أجد سوى كتاب في النقد ، ولم أعثر على نقاد متخصصين في العلم ، أو نقد علمي متخصص ، يقود المتلقي نحو القراءة النقدية الصحيحة والمبسطة للنصوص ، والتي توازي الطوفان المرعب في الكتابة الأدبية العربية ، ومما يحز في النفس أن غياب التحليلات النقدية عن الساحة العربية المترعة بالقديم والحديث ، ساعد في نشر الجهل الأدبي الأكاديمي بمعارف النص والتنصيص ومفاصل العمل الأدبي ، الشعري والنثري ، وما ساعد على ذلك ، هو التمرد على التجنيس ، ذلك المسلك الذي أشاع الفوضى والقبح بشكل النص العربي الجميل … كانت الذرائعية الحل الأمثل لكونها رؤية نقدية تطبيقية مستندة على أطر ومداخل علمية كل شيء يذكر خلالها ، ولا تتيح خرما للإنشاء لفرغ والكفيف وغير المستند على قواعد نقدية رصينة …..)
————————————————–
ثالثا : السيرة الذاتية للشاعرة
– الاسم والنسب : نبيلة حماني
– الشهادات المحصل عليها : الإجازة تخصص اللغة العربية وآدابها – شهادة التخرج من المركز التربوي / أستاذة اللغة العربية ثانوي
– رئيسة معهد صروح للثقافة والإبداع
– رئيسة المكتب الجهوي لمركز حقوق الناس جهة فاس مكناس
– عضو سكرتارية التدبير الوطنية بمركز حقوق الناس بالمغرب
– عضو فدرالية مراكز حقوق الإنسان بالعالم العربي
– مديرة وكالة عرار الإخبارية الدولية
– الناطق الرسمي لوكالة عرار الإخبارية إذاعة وتلفزيون
– أصدرت ثلاث دواوين شعر : – تيه بين عرصات زمن مغتال – احتراق في وريد الصمت – مرايا من ماء-
– شاركت في العديد من الملتقيات الشعرية والأدبية بالمغرب والخارج ، فائزة باستحقاقات في مهرجانات كثيرة ، وأشرفت على تنظيم مهرجانات عديدة .
——————————————
رابعا : البؤرة الثابتة في النصوص
إن النصوص الأدبية الرصينة المتكاملة تحتوي على شروط بنائية جمالية ، أي توفرها على إيستاتيكية وديناميكية التنصيص ضمن أطروحات فكرية وأيديولوجية إنسانية تلمس في البؤرة الثابتة للنصوص ، وهي مجوعة أفكار تخص المبدع كرسالة إنسانية ، وهي نقط جوهرية لا يمكن للناقد تغييرها أو التلاعب فيها .
النصوص الشعرية في ديوان ( مرايا من ماء ) يمكن إدراجها ضمن الأدب للمجتمع ، والنصوص الشعرية حاملة لهموم المرأة وقضاياها سواء في المغرب أو الوطن العربي ، فالمرأة عنصر مهم يشارك بالكثير من الأفكار لبناء الوعي المجتمعي ، فالمرأة ليست بمعزل عن التغيرات المجتمعية . لا يقتصر تأثير الشعر على عكس الواقع ونقل تفاصيله ، بل إنه يعمل على تشكيل ذلك الواقع من حلال النقد المباشر والغير مباشر للمشاكل المجتمعية وقضاياه المتداخلة والمتشابكة ، ويتجلى ذلك من خلال اقتراح مختلف الحلول لحل تلك الإشكاليات ، كما أن دور الشعر لا يقف عند تشكيل الواقع ، بل يتعداه إلى خلق واقع الأجيال المقبلة .
تستطيع المرأة العربية من خلال الأدب عموما المساهمة الفاعلة في تشكيل وعي مجتمعي سواء على المستوى الأيديولوجي أو السياسي أو الاقتصادي أو الفكري .
—————————————————
خامسا : الاحتمالات المتحركة في النصوص شكلا ومضمونا
———————— عنوان الديوان : ( مرايا من ماء )——————————-
للمرايا اهتزاز الماء ، وللماء حدة صور المرايا ، والمرآة هي أداة لها القابلية على كسر الضوء ، بالطريقة التي تحافظ على الكثير من صفاته الأصلية قبل ملامسة سطح المرآة وكذلك الماء ، تستعمل المرآة للتأنق والتزين ، وتوسعت استعمالاتها في العصر الحديث لتستعمل في الأدوات العلمية وغيرها . الماء هو سائل شفاف ، ويعد المكون الأساسي للسوائل في جميع الكائنات الحية ، وهو واحد من ضروريات عيشها ، اتخذ الإنسان الماء كمرآة منذ أقدم العصور ، إما من خلال البرك الراسية ، أو الماء المجموع في أواني بدائية ، وحضر الماء كمرآة في الكثير من الأساطير سواء اليونانية أو الفارسية أو العربية أو الأمازيغية …اختلفت أسطورة الماء بتغير المجموعات البشرية وتغير المكان الجغرافي .
استحضر العنوان مرايا من ماء مشهدا حيويا ، نرى فيه الشجر المتسابق نحو الظلال ورقرقة الماء ، إشراقة حياة واخضرار وأضواء …وللعنوان دلالات رمزية تتأطر داخله مجموع نصوص الديوان التي ستشملها دراستي النقدية .
الاحتمالات المتحركة في النصوص ستكون منطلق غوصنا لملاحقة حلقات الأفكار المتصلة فيما بينها ، سباحة في الأعماق بحثا عن الدلالات والرموز والأفكار المتعاقبة والمكملة لبعضها ، وخلال هذا الغوص سنلاحق الدلالات والرموز المخبوءة من خلال الرباعية البارزة في الديوان ( رباعية ( الذات – الطبيعة – قلق السؤال – التفاؤل الوجداني )) في ديوان ( مرايا من ماء ) للشاعرة نبيلة حماني .
————————– ——–الطبيعة ————————————————تأثير الطبيعة في تكوين الحالة الشعرية عند أغلب المبدعين هي حالة بديهية ، إذ تصبح الطبيعة ملهمة للأحاسيس والمشاعر ، إحساس بجمالها الذي من خلاله تتشكل نفسية المبدع وملامح شخصيته ، لأن الإبداع هو تنفيس عن تجاذب وصراع معتمل داخل الشخصية ، فيصبح الإبداع تعويضا ذو غرض أسمى …
تقول الشاعرة ( نبيلة حماني) في قصيدة ( فوضى الضياء )
قال بربك انطقي صمت هذا المساء
افشي سره الدفين
علقيه على ناصية الغمام
ليروي حكايا ارتجال الورد
حفيف أغصان العهد
قولي بربك إن الحنين
ينساب قطرا مع الندى ..
الشاعرة تعاملت مع الطبيعة / المكان في صور أكثر عذوبة ، فتخدم لنا رموز الطبيعة دلائل هامة ممزوجة برقة العاطفة والمشاعر الجياشة ، التي تأخذنا إلى عالم متكامل الجمال . لقد أثر التكوين البيئي الجغرافي في كل قصائد الديون ، لكن استعمالها للطبيعة بعيد كل البعد عن الرومانسية بكل مدارسها .
لنلاحظ قصيدة أخرى عنوانها ( أيا قلب الزهد تجلد ) جاء فيها :
قلب النور كنت
فيض طهر أنت
من دفقه تحيا ..
فكن نورس فرح بدربي
يعانق المدى
يعانق الأمل
أيا قلب النور
إن الوخزات وإن توغلت في الحشا
تبقى في النهى خير زاد
للطبيعة أثر وتأثير كبير في نصوص ديوان الشاعرة نبيلة حماني ، كما لا يخفى على أحد تأثير البيئة على نفسية الإنسان وصحته .
—————————- الذات الشاعرة —————————————-
منذ وجد الشعر العربي ، وجدت فيه شخصية الذات الشاعرة ، حيث تتمركز الذات في المتن الشعري بكل مظاهرها وتجلياتها ، يسهم فيها الوعي الوعي الشعري ورؤاه ، سواء على صعيد الفضاء الخارجي أو الداخلي العميق للنصوص ، تشتغل الأنا الشعرية على فكرة الانتماء ، وإعلان المسؤولية الكاملة عن حالات الذات وأوضاعا المختلفة .
تقول الشاعرة في قصيدة ( فراشة السراب )
هل يمكنك لحظات عمري
أن تعيدي الخطو على المدار ..
علني أكتشف مفاتيح السر
علقت على شتلات صبار
علني أعثر بين مدن زمني
على حكاية أهملتها الرؤى
فقد أعيد نسجها
بجرعات أمل ونور
حضرت الذات الشاعرة مرتوية بلحظات العمر الباحث عن جرعات الأمل والنور وفق رؤى وجودية الأحاسيس ، بعيدة عن التفاصيل والجزئيات ، الذات الشاعرة والإبداع عند الشاعرة يسيران على سكة واحدة تعبيرية مشحونة بالانفعال والعاطفة .
جاء في قصيدة (سيل هادر على الحياض )
ليثني أقوى
على كسر الأغلال
لأهيم في غدي
طفلا يسعى لفجر الضياء ..
تسحره لآلئ الأنوار
تأخذه مواسم ربيع
أكرمت فيئها الأقدار
أصبحت الذات الشاعرة حاملة لرموز ودلالات نفسية وفكرية ومجتمعية وأيديولوجية وفلسفية ، تعبر فيه المرأة الشاعرة المغربية والعربية عن همومها الذاتية والمجتمعية ، بحيث تحمل الكلمات المتاعب والتضحيات . الإنسان عموما ليس مجرد الأحاسيس معزولا عن مجتمعه . الإنسان يختار ذاته في خلق صورة الإنسان في وجوب وجوده .
———————————– قلق السؤال —————————————–
منذ وجد الشعر العربي ، وجد في مضامينه قلق السؤال الفكري الفلسفي ، فانقسم الشعراء فيه فريقين ، فريق يصور مسارات الحياة على أنها محن وأحزان … وفريق آخر على أنها هناء ومتعة ومسرات ، والفريقين كلاهما تؤطر رؤاهما توجهات فلسفية وجودية .
تقول الشاعرة في قصيدة (قدر عابس )
كما قدر عابس ..
غاب أريج زهره
وشمس التحفت الذبول
سألني
عن دفق اللظى..
إذ هطل وجعا خفيا
أوقد جمار حيرة وحنين
وحلم غاب
فأيقظ مواكب جرح لا تستكين ..
كما نستشف في الشعر الحديث وجع قلق السؤال والذي تسببت فيه عوامل متعددة ن منها النكسات العربية المتتالية ، وتوالي المصائب لسياسية والاجتماعية والاقتصادية على عالمنا العربي ، لم يدع مجالا للفرحة والبهجة …القلق أجد مقومات الوجود الإنساني ، على اعتبار أنه ملازم له ، وتدخل في أخص مقوماته …
تقول الشاعرة في قصيدة ( جراح التمني )
أيا طيف نور تهادى بفجري ///// ويا لحن طير يغني لعيني
سمعت في الفؤاد حكايا ربيع ////// تهاوى صريعا لدمع وحزن
أظهرت الشاعرة القلق في بعض القصائد ، وهو أمر واقعي ، بعد ربيع عربي مزلزل ، تهاوت معه كل الأحلام العربية في بناء مجتمعات تقدس حياة الكائن الإنساني ، وعلى العكس انتشر القتل والتشريد والتهجير وتهديم الفكر والمعتقدات …
تعبر الفوضى عن قلق مادي أو معنوي ، لأن النظام هو السعادة ، لكن الفوضى في القصيدة من ضياء ، وهو مصدر توهج للطاقة الضوئية ، منها النور ينعكس لكن سمته الفوضى الذي سببها الآخر من خلال فعل ( قال ) الذي حمل في قصيدة ( فوضى الضياء ) عدة طلبات موجهة إلى الشاعرة ، وجاء منها أقوى رد حين قالت :
كان الحب يندس في أحداق السحر
ينبلج على مرايا زمني
يوسف يمنحني حقيبة أحلام ..
خرافة أبت إلا أن تلاحقني
الإنسانية المعاصرة هي إنسانية قلقة أكثر من أي وقت مضى ، وتتجلى ملامح القلق في ما يعتري الإنسان من اضطراب في نظرته إلى نفسه والشك في قدرته والتساؤل والتساؤل الحاد حول مصيره ، كونه يعني أزمة هوية حقيقية .
——————————— التفاؤل الوجداني ——————————-
التفاؤل الوجداني غاية بتشوقها كل إنسان في الكون ، وأكمل غاية سعى نحوها ليسمد منها مشروعية الحياة والبقاء ، ومن نتائجها جودة التميز التي تدرك بقوة الذهن على إدراك الصواب ، فتعرف الحق حقا فتتيقن به وتعتقده ، وتقف على الباطل فتتيقن أنه باطل فتتجنبه .
تقول الشاعرة في قصيدة ( حقيقة مولدي )
حلمي الذي نام قريرا
على صفحات المعاجم
سعى للنسك بسموات بحارك ..
كنت تقود بهاء الليل إلى جزري
تسكب السحر غيما بجنات المدى
تغرد لعيون نور
تضيع ما تبقى في العمر من أناة
تهطل رذاذا على سنابل الروح
خصبا ثار بربوع أرضي
الخير الأفضل والكمال الأقصى ينال من التفاؤل ، الذي سلكت فيه الشاعرة طريقة تزكية النفس ، فانجلت مرآة القلب وانعكست فيه الأنوار ولاح فيه الجمال قال الله تعالى كتابه العزيز ( قد أفلح من زكاها ) ، تفاؤل تلوح فيه الدنيا وحقيقتها ، والآخرة ونفائسها …
———————————————
سادسا : المدخل البصري
ديوان ( مرايا من ماء ) للشاعرة ( نبيلة حماني ) ، يقع في مائة صفحة من الحجم المتوسط ، تتصدر الديوان كلمة إهداء ، ثم قصيدة شعرية مهداة من الشاعرالمصري ( محمد محمد الشهداوي ) إلى الشاعرة ، ثم تقديم من الأديب والناقد الدكتور ( محمد يوسف ) . يتضمن الديوان أربعة وثلاثين نصا شعريا ، أربعة منها من القريض ، والنصوص هي كالآتي : ( فوضى الضياء ) ، ( قبلة الروح ) ، ( عاطفة قطبية ) ، ( رذاذ مقدس ) ، ( فراشة السراب ) ، ( سيل هادر على الحياض ) ، (هديل بالجنان ) ، ( مشكاة الروح ) ، ( كما عمر ضيع الربيع ) ، ( لو منحتك دمي ) ، ( قصور بلقيس ) ، ( في محراب الذهول ) ، ( جرح ) ، ( أنين السواقي ) ، ( أفنية الروح ) ، ( لك وهبت دمي ) ، ( لحظة فارقة ) ، ( سر الوجع ) ، (أيا قلب الزهد تجلد ) ، ( اعتذار ) ، ( أنت الضياء ) ، ( قدر عابس ) ، ( حرائق دمي ) ، ( كساد عنكبوت ) ، (فراشة يغريها الضياء ) ، (ذهول ) ، ( فجر العيد ) ، ( جراح التمني ) ، ( أهمس لطلبي ) ، ( على صراط الفناء ) ، ( وجل الليل ) ، (أمنيات الياسمين ) ، ( حقيقة مولدي ) ، ( حنين ) .
كل هذه النصوص الشعرية متقاربة الطول ، استعملت فيها نقط حذف وعلامة استفهام واحدة
1 – التجنيس الأدبي
ثلاثون نصا نثريا دلنا عليها الشكل البصري ، واتساق جمل النص والسياقات الشعرية ، نصوص شعرية وجدانية تحمل الهموم الذاتية والوطنية والمجتمعية والإنسانية ، تميل إلى الفن للمجتمع .
وأربع قصائد من القريض تفصل أبياتها بنجيمات ، قصيدة ( هديل بالجنان ) و ( أن الضياء ) و ( جراح التمني ) و قصيدة ( حنين ) ، وهي قصائد من البحر المتقارب المكون من ثمان تفعيلات ( فعولن فعولن فعولن فعولن / فعولن فعولن فعولن فعولن ) ، ويستعمل البحر المتقارب تاما ومجزةءا ، وهو بحر يساعد على إطلاق المشاعر بشتى أنواعها من ذاتية ووطنية وإنسانية …
2 – البيئة الشعرية
الشاعر حتما هو ابن بيئته ، يعيش فيها ، وتعيش في عقله ووجدانه وكيانه وعاطفته ، فتنير وتساعد على صقل الموهبة الشعرية ، فينطلق الشاعر معبرا عن دواخله كاشفا عن حالاته النفسية وما يخالجها من انفعالات ، في هذه البيئة تتوالد إبداعات وإرهاصات الشاعر ، ممزوجة بأحواله الشخصية الحياتية وتفاصيل أفكاره المتقدة .
تقام في مدينة فاس احتفالات ومهرجانات ثقافية وعلمية وفكرية ودينية كثيرة جدا ، وتصنف المدينة كموقع للتراث الإنساني العالمي ، ولفاس أسواق نابضة بالحركة وأزقتها التراثية الملتوية كثيرة المباني التراثية ، ينتشر في المدينة الكثير من الصناع والحرفين الين سجل لم التاريخ قصائد خالدة وخاصة في صنف الملحون والشذرات الابتهالية الصوفية ، بيئة امتزجت فيها عدة حضارات البيئة الشعرية العربية والبيئة الشعرية الأندلسية والبيئة الشعرية الأمازيغية …
يحتل المكان ( فاس ) مجالا واسعا للبيئة الشعرية عند الشاعرة نبيلة حماني ، فتميزت القصائد بخصوصيات المكان / الطبيعة ، أي في القاموس الطبيعي الجغرافي لمدينة فاس ، سواء من خلال عناوين القصائد ن وكذلك مضمونها ، حيث عكست القصائد الطبيعة الزاهية بعناصرها المختلفة لفاس ومحيطها ، مناخا وخضرة وماء …وما إلى ذلك من الروافد التي تلهب قريحة الشاعرة التي جعلتها تفتتن وتتغنى بجمال هذه الطبيعة الساحرة ، إما بشكل صريح أو مضمر من خلال قاموس الطبيعة …
البيئة من العوامل المهمة التي تؤثر في كل فنان ، وتعزز مدركاته الحسية ، فتصير مصدرا ملهما للكثير من الأعمال الأدبية . ولا نغفل البيئة الاجتماعية التي تدعم الأفكار ومناخها الروحي ، كلاهما تؤثر في المبدع وتترك بصمتها على سلوكه وفكره وأخلاقه لأن الإنسان ابن بيئته .

3 – درجة الانزياح والعمق نحو الخيال والرمز
نصوص ديوان (مرايا من ماء ) وجدانية بدرجة كبيرة ، فلا غرابة أن يكون الخيال ضاربا في أعماقها ، وفيه تأخذنا الشاعرة إلى عالمها لتعلق بنا بعيدا على أجنحة نصوصها الإبداعية . للخيال أهمية كبيرة في الإبداع وخاصة نرى كيف تبدع الشاعرة في تصوير مشاهد مألوفة في حياة كل الناس ، فحولتها الشاعرة إلى مشاهد ناطقة وقد بثت الحركة والحياة ، فوصلت إلينا معبرة وذات إثارة …
لنلاحظ هذه الصورة المفعمة بالحياة من قصيدة ( كساء عنكبوت )
وشما على ناصية غربتي
يرسم الجراح خرائطه
قوس قزح في سموات ابتهال ..
ضبابا فاضت به السبل
متاهات صمت ودهشة
تلتف حول خاصرة ليل
سكنته الجراح ..
مشاهد في القصيدة اعتدنا مشاهدتها في حياتنا اليومية ، لكن الشاعرة بحسها الإبداعي جعلتها ناطقة وملتحمة مع الذات بحرفية وصنعة شاعرة خبرت الصنعة الشعرية .
ولنلاحظ صورة ناطقة مقتطفة من قصيدة ( فراشة السراب ) :
هل يمكن أن أعيد نسج قدري
وقد اغتلت نوارس المدى ..
طهر الندى
ظلال الأمنيات ..
هل يمكن أن أشكلك فجرا
بشذى حلمي
وأفراح عيد قادم
علني أنقد الدمع
المعلق على المشانق
اللظى ..
مزجت الشاعرة في نصوص ديوانها بين الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي ، مما أكسب القصائد حيوية ولهجة حميمية منعشة .
——————————————–
سابعا : المدخل اللساني
في هذا المدخل سنبحث في الدال والمدلول التركيبي البنيوي وتوابعه الاشتقاقية ، أي دراسة اللغة المكتوبة (الألفاظ ودلالاتها ) ، وطريقة تلقي المتلقي لها وتجابه معها .
من خلال قراءتنا لديوان ( مرايا من ماء ) ، لا حظنا أن الصور الشعرية وجدت في الطبيعة ملاذها ومرجعيتها ، ولم تخرج الشاعرة على التقنيات البلاغية القديمة ، من تشبيهات واستعارات ومجاز …لكن عصرنتها بالاعتماد على الانزياح في تركيب الكلمات ، متخذة الطبيعة عالمها المعبر على أفكارها وانفعالاتها …فالطبيعة مرآة تعكس عيها هموم الذات ، علاوة على أن لكل صورة مجالها التجريبي والخيالي في النصوص .
لقد اختارت الشاعرة لقصائدها ألفاظا فصيحة من قاموسيها اللغوي الغني بالدلالات ، ألفاظ بعيدة عن الابتذال والإغراق في التساؤل بالرغم من القلق الوجداني والغضب لبعض القصائد ، فهي مع ذلك لم تستعمل ألفاظا دونية خارجة عن مألوف قاموسها اللغوي الغزير ، فبقيت بذلك محافظة على لباقتها ( قال ومضى – في سراب الروح خمرا – يسقيه مدام تسامى في اللهب )( كما عمر ضيع الربيع ) ( أيا دمعة مثقلة بالذهول ) …كما استعملت الشاعرة بعدة ألفاظ التي تعكس سعة اطلاعها على الثقافة الشعرية وخاصة الحديثة …الألفاظ في مجملها سهلة التركيب تدخل في باب السهل الممتنع الحامل للمتعة الشعرية .
أما من حيث الأسلوب فقد جمعت الشاعرة بين الأسلوب الخبري والإنشائي ، من أجل أن تترك الشاعرة لنفسا مساحة واسعة للتعبير عن ذاتها وانفعالاتها وتفاعلها مع الواقع ككائن إنساني ، فأصبحت الصورة مع الأسلوبين تتجاوز حدود البعد التزيني الجمالي إلى أداة للتعبير عن الذات .
أما من الناحية المعجمية فقد هيمن ضمائر ( التاء المتحركة) و ( ياء المخاطبة ) مع الفعل ، و ( وياء المتكلم ) في الأسماء والحروف في الكثير من القصائد ، وكل الضمائر ليست إلا الشاعرة نفسها ، لقد خلقت من عالمها ذاتها آخر محاورا لها ، يبكيها أحيانا ويعاتبها أو يطلب منها أو يسعدها أحيانا أخرى ، إنه من نوع الخلود في الذات و أناه رد ظلم الحياة وقسوتها وتناقضاتها وغربتها …تجمع تجارب حياتية مليئة بالإيجابي والسلبي ، ورغبة الشاعرة تحول السلبي إلى إيجابي والتشاؤم إلى تفاؤل والقلق إلى طمأنينة . كما استعملت الشاعرة الجمل الفعلية والاسمية على حد سواء ، فالأولى دالة على ذاتها التجدد والاستمرار، ترصد من خلالها الشاعرة الزمنين النفسي والفيزيائي ، تقول الشاعرة في قصيدة ( لو منحتك دمي )
خذ دمي
وزهورا نمت
على حافة عرجاء ..
خذ طفولة الذكرى
وامض بعيدا عن زمان جهلني ..
فلن تلقاك سذاجة ودوار أنهكني ..
أما الجمل الاسمية فتفيد التبات في القصائد والاستقرار النفسي والوجداني ، أي تفاعل ذاتي مع المواضيع المرتبطة بنفسيتها ، وهي رغبة من الشاعرة لوضع المتلقي أمام صور متعددة ومتنوعة تدفعه إلى التذوق والاستمتاع .
1 – الصورة الشعرية في ديوان ( مرايا من ماء )
من المتعارف عليه أن الصورة الشعرية من أهم مقومات الشعر ، فهي التي تجعل المتلقي يسرح بذهنه في عوالم الخيال ، وهي التي ترسم الحالة الجمالية النبيلة لمكونات الشاعر العاطفية والنفسية والاجتماعية والتاريخية … وكذلك هي أكثر الأسس والمكونات حضورا في القصيدة الحديثة ، فهي إنتاج وإعادة إنتاج لمجموعة عديدة من المشاهد قد تكون وجدانية أو نفسية بطريقة رمزية .. تقول الشاعرة نبيلة حماني في قصيدة (أمس لظلي ) :
حين قال :
كنت زمني …
لحن عشق رددته الفصول الحالمة
سقى جذور العشب الأخضر
راقص فرح الزهور
أستنشق عبير عشقها الممتد
لتكون كل زمني ..
حضرت الصورة الشعرية في قصائد الديوان بشكل يمكن تقسيمها إلى صور حاملة للعنصر الحسي ، وأخرى حاملة لصور شعرية رمزية مكثفة …
الصور الحسية يمكن تصنيفها بحسب مادتها من صور مستمدة من عالم الحواس ، جاء في قصيدة ( قدر عابس )
هذا الصباح الموشى بزخات الرذاذ
وأنوار شمس باهتة
فاح بعبير حيرته
لا على درجة حزنه
كما قدر عابس ..
غاب أريج زهره
وشمس التحفت الذبول
الأمثلة كثيرة في قصائد الديوان للصور الشعرية الحسية ، والصنف الثاني من الصور الشعرية من نوع الرمزي المكثف ، ذات أبعاد تمثيلية فنية موحية بالكثير من الدلالات والإيحاءات الإنسانية . الرمز يثري الصورة الشعرية ، ويحقق لها الانفتاح الدلالي على دلالات لا متناهية ، كما يكسب النصوص حيوية تخرجيه من الماضوية الجامدة إلى الحاضر المتحرك المفعم بالحياة ، تقول الشاعرة قصيدة ( حدائق دمي ) :
كان وجعا طفا بين شفاه الروح
سبح في محيا السحر
نهل من ثغر الغيمات
فما سقى ظمأ المدى
ولا أعاد الروح لمرافئ النور
الصورة الشعرية تكافؤ وتعادل قائم بين اللغة الشعرية وتجربة الشاعرة ، والقصائد من النوع الذي طغت فيه الصور الجمالية التي تميل إلى العاطفة والخيال بدرجة انزياح عالية ، فأضحت تجربة الشاعرة الشعورية فيها واضحة وجلية تشد الألباب .

2 – التكوين الجمالي والبلاغي في قصائد الديوان
تركز طريقة الكتابة في الشعر النثري على آليات بلاغية كطريقة تضع الشعر هدفا جوهريا لها ، ويتوضح أن الشاعرة تحللت من كتابة النثر إلى كتابة نصوص تتسم بالشعرية المتوهجة ، تخلصت خلالها من كثرة استعمال السجع والاستطراد والاسترسال والتداعي الذي يعيق البناء الفني الجمالي ، كما أن الشاعرة انتقلت من التقرير إلى التساؤل الفلسفي العميق ، ومن المباشر إلى الإيحاء والرمز الحامل لأثر دلالية ، معتمدة التكثيف والإيجاز واختيار الجمل القصيرة للإفصاح عن مشاعرها في تجربتها الشعرية .
التكوين البلاغي الجمالي يتشكل من خلال الجرس الموسيقي ، واستخدام المحسنات البديعية في نصوص الديوان من ( طباق – جناس – مقابلة – ترادف – تورية – ) وكلها ساهمت في تقوية المعنى ونظم الجرس الموسيقي . كما أن الشاعرة استعملت في قصائدها علم البيان بكثرة ملحوظة ( التشبيه – الاستعارة – الكناية – المجاز المرسل ) .
وتجنبا لإرهاق القارئ ( دراسة طويلة ) نترك له الاستمتاع بالمحسنات البديعية والبيانية الموجودة في نصوص ديوان ( مرايا من ماء ).
————————————————–
ثامنا : الموضوع أو المضمون في نصوص الديوان
لقد احترمت الشاعرة الشكل بدرجة متوازية مع المضمون ، حيث جعلت التوازي في قصائدها متلاحقة ومتسابقة ( بين الشكل والمضمون ) ، فمرة يغلب الشكل على المضمون ومرة يغلب المضمون على الشكل ، فكل شيء في النصوص لا تستحق الكسر . من مواصفات النصوص الرصينة المتكاملة الشروط البنائية ، احتواؤها على إستاتيكية وديناميكية التنصيص ، سواء في الأفكار أو الأيديولوجيات الإنسانية بشكل عام .
ارتأيت الدخول إلى المضمون من خلال المداخل العلمية التالية :
——————————————————-

سابعا : المدخل العقلاني
المدخل العقلي هو مدخل الدلالات الفكرية التي تحتل فيها أيديولوجية الأفكار التي يزخر بها الرصيد الفكري للكاتب ، كما أن التجارب الإنسانية الإبداعية تكون بوابة للتناص .
التناص في تضاريس قصيدة النثر كثير جدا ، لكن من الصعب حصر نواع التناص فيها المتعددة والمتعالقة . وقد عرفت نصوص الديوان تداخلا مع نصوص متناصة من جانب الرمز بدرجات تختلف من قصيدة إلى أخرى ، بشكل متحرك وديناميكي متفاعل مع تيمات نصية مرتبطة بالتغيرات والمستجدات المضمونية .
ديوان ( مرايا من ماء ) للشاعرة نبيلة حماني ، من خلال العنوان نجد أن هناك مؤلفات في أجناس أدبية مختلفة تحمل نفس العنوان أو جزء منها .
استلهمت اسم يوسف عليه السلام وقصته الكثير من القصائد ( الشعر الحديث ) ، وهو استحضار للذاكرة الإنسانية في العديد من تجلياتها ، وخاصة حين يحدث بين الإخوان تصادم أو احتكاك قد يصل إلى العداوة .
تقول الشاعرة مستحضرة اسم يوسف في قصيدة ( فوضى الضياء )
على أرض الميعاد
يؤرخ استحالة انفصام …
كان الحب يندس في أحداق السحر ..
ينبلج على مرايا زمني
يوسف يمنحني حقيبة أحلام …
وقد استلهم الشاعر الكبير قصة يوسف عليه السلام حيث يقول :
أن يموت
أنا يوسف يا أبي
يا أبي أخوتي لا يحبونني لا يريدونني بينهم يا أبي
ويعتدون علي ويرمونني بالحصى والكلام
وتقول الشاعرة زينب الكلاني مستحضرة قصة يوسف :
لكنهم …
صاروا إخوة يوسف
وقصوا حكايات عن غول
لقد تعامل كل شاعر مع قصة يوسف من زاوية نظر مختلفة عن الآخر لكن المضون والرمز فهو مشترك بين الجميع .
أجمل ما في لغتنا العربية أن حروفها وكلماتها تجسد كل الحالات التي نعيشها أو تصادفنا في حياتنا .
جاء في قصيدة ( قبلة الروح ) لنبيل حماني ما يلي :
وأنت تحمل حقائب الرحيل
ازرع سنابل الخلود
على ربوة أيامي القادمة
اروها فيض خصب
إذا كانت الأسطورة في مضمونها حكايات أو قصص غارقة في الخيال والتصورات الخرافية ، فإن حضورها في الشعر المعاصر والحديث بات قويا وبارزا ، لما تحتوي عليه الأسطورة من إيحاءات رمزية ومؤثرات تكسب الشعر قدرات فنية ودلالية . تقول الشاعرة في قصيدة ( رذاذ مقدس )
أيها القادم من طفولة الحلم ..
للشوق المبعثر أنينا
ما يسكب الضياء
على فروش فرديت ..
يقول الشاعر نزار قباني في قصيدة ( اعتذار )
أقدم اعتذاري
لوجهك الحزين مثل شمس آخر النهار
عن الكتابات التي كتبتها
عن الحماقات التي ارتكبتها
عن كل ما أحدثه
وتقول الشاعرة نبيلة حماني في قصيدة بنفس العنوان ( اعتذار )
هل يكفي اعتذار من فرح انتزعته
من زمانك الملتحف بالصبر ..
هل يكفي عتاب لخافق لا ينتهر …
الأدب كما تتصوره الذرائعية إناء العقلانية والخلق والتواضع والمثل العليا ، يمتاز الأدب الجميل بالتوازي والتناص مع إبداعات وخبرات الآخرين ، بغية الارتقاء والاغناء . بوابة التناص مسلك تتجدد فيه الدلالات باحثة عن قرائنها ومفاهيمها الخارجية المتوازية .
———————————————-

تاسعا المدخل الاستنباطي
المدخل الاستنباطي نقصد مجموعة العبر والحكم والدلالات الإنسانية التي نستشفها من خلال تضاريس النصوص وأركانها التعبيرية ، فتستحق منا الاستنباط والتقمص الوجداني . إن الإنسان يلاحظ سلوكه المادي المباشر ، ويربط سلوكه رمزيا بحالته السيكلوجية الداخلية ( عواطفه وأحاسيسه ) ، فيصبح لسلوكه الإنساني معنى يصيب الذات ، فيتصل بالآخرين ويلاحظ سلوكهم المادي ، فيخرج باستنتاجات على حالة الآخرين السيكلوجية .
كم من القصائد سكنت وجدان أناس وأصبحت جزءا من شخصيتهم ، وخاصة قصائد الحكمة والموعظة .
تقول الشاعرة في قصيدة ( كساء عنكبوت )
تضع أوزارها على أرض أوجاعي
الجرح طوفان
أغرق الحكاية في يم وليل ..
والحروف أنصالها موجعة
اخترقت قلب الجلنار ..
عاشرا : المدخل السلوكي
المنظور السلوكي هو مجموع التساؤلات التي تتضمنها النصوص ، قد تكون تساؤلات فكرية أو فلسفية أو اجتماعي أو سياسية …تساؤلات تستفز الناقد فيحاول إيجاب إجابة عنها ، لكن هذه الإجابات مرتبطة بالوضع والبيئة الاجتماعية أو الأدبية أو الفلسفية التي أثيرت حوله تلك التساؤلات .
تقول الشاعرة في قصيدة ( أهمس لظلي )
دعيني أغادر
إلى حيث لا ألقاك
إلا ذكرى هوس وجنون
وطيف ملاك صادف زمني
لا مس ثرى أرضي بأقدام ساحرة
أزهرت أوجه خلد وحياة ..
تساؤلات مشروعة أثرتها الشاعرة حول صراع الإنسان ككائن وجداني وعاطفي مع الحياة وتساؤلاتها الفلسفية العميقة ، لقد حذقت الشاعرة في صناعة الكلام والقول الكلي الذي يحل كل الشكوك ، بإدراك عقلي يزود ذاته بغذائه الروحي الخاص .

عاشرا : الموضوع أو التيمة وقاييس الدقة في الإبداع الشعري
يتضمن الشعر الرصين رسالة إنسانية سامية ، يبني عليها قصائده ، يستحضر الحروف والكلمات لاستعراض أفكار جزئية تترابط فيما بينها لتكون فكرة كلية . الشعر الذي يخلو من رسالة أو فكرة لا يمكن أن يسمى شعرا ، ولا تقتصر قيمة المعنى في تعليم المتلقي أمرا من أمور المعرفة ، بل تتعداها إلى قوة التأثير في النفس الإنسانية .
1 – مقياس الصحة والخطأ
لقد التزمت الشاعرة نبيلة حماني في دوانها ( مرايا من ماء ) بالحقائق التاريخية واللغوية والاجتماعية والفكرية ، والأمر يعود إلى ثقافتها الواسعة ، ولم تقحم أي معلومة خاطئة . تقول في قصيدة (فراشة يغريها الضياء ) وهي تقدم صورة عن الحقيقة الواقعية للمرأة المغربية والعربية عموما بقالب فني شعري .
ثورة عناد
بأعين امرأة ضاعت مواسمها
أنهكت صبرها منافي وأصفاد
اليتم أديم الفضاء ..
2 – مقياس العمق والسطحية
في كل النصوص الرصينة المعنى العميق هو المشكل والمصنوع من دلالات رمزية ومعنوية عالية التأثير ، من حيث تجعل الخواطر والأفكار تبدو جلية وواضحة أمام عيون النقاد .
تستمد الشاعرة نبيلة حماني في قصائد الديوان عمق المعاني من موهبتها الخلاقة المتميزة المكتسبة من الرصيد اللغوي والثقافي والفكري ، حيث صارت الملكة الذهنية خزانا للعلم والمعرفة .
تكون القصائد عميقة المعنى إذا اعتمدت الحكمة المستمدة من تجارب الحياة الفردية أو الجماعية ، لأنها تختزل قدرا كبيرا من التجربة الإنسانية ، ويتم تقديمها في عبارات توزن بالذهب واللؤلؤ موجزة وسريعة . لنلاحظ ما جاء في قصيدة ( حنين )
إن الأنين مع الحنين توحدا /// بشعاع نور لا يجاريه المدى
ويذوب في بعض الحنين وكله /// شوق تغلغل في الوريد وفي الصدى
وشذى تقاطر في الصباح رحيقه /// متنكرا في ثوب حبات الندى
إن الانفعالات والعواطف التي اجتمعت واعتملت في صدر الشاعرة ، نقلتها إلينا في قالب شعري ، نلمس فيها جدية العمق وصدقية الوضوح .
3 – مقياس الجدة والابتكار
ونقدم شهادة مقدم الديوان الأديب والروائي والناقد الدكتور محمد يوسف :
( تجربة شعرية أخاذة ، ومنطق مراوغ وفاتن ، وعرف كتابة سوف يمهد طريقه غير عابئ بمسالك القبيلة القديمة . جمال أحسن توقيت ظهوره ، وظهور استمر لما بعد مفاجأة الطرح .
فقد آن للمرايا أن تطفوا على السطح الأمواج ، وقد آن لصور الحقيقة ألا تعكس مقلوبة أسطح ملساء بحجم نبوءات الميزان ، وهل أدق من ميزان الشعر اكتمالا بنكهة الألآم ؟ لكنه ذلك النوع من الوجع المفضي إلى النشوة ) .
مقاييس نقد العاطفة
المقصود بالعاطفة في الإبداع عموما الحالة الوجدانية التي تكون محفزا ودافعا للميل نحو الشيء أو الابتعاد عنه ، ويتبع هذه الحالة الحب أو الكره ، أو الحزن أو السرور والفرح أو القلق …
ومن أرز مقاييس نقد العاطفة .
1 – مقياس الصدق والكذب
هنا نجد أنفسنا( المتلقي والناقد ) كما يجد الشاعر نفسه أمام الدوافع الذي دفعته إلى الكتابة ، فإن كانت هذه الدوافع حقيقية وصادقة كانت العاطفة صادقة وقوية ، وتذوق وفهم قوة العاطفة في النصوص الإبداعية تخضع لأمزجة وطبائع القراء ، فمنهم من يتأثر بالوصف وهناك من يتأثر بالغزل وهناك من يتأثر بغيرها من المضامين والأغراض الكثيرة . ومن قصائد الديوان التي هزت عاطفتنا قصيدة ( جراح التمني )
ظننت كأني لعينيه نور ///// ففاضت جراح بعمق التمني
وخلت بأني سقاء لروح ////// فأهديت عمر الصبا للتجني
تنوح عيون السواقي لحالي ////// ويخرس شدو هزاز بغصن
تقول الجراح لنزف تمادى ////// كفى يا حريق أوار بعيني
الحنين والحزن والألم عبرت عنه الشاعرة نبيل حماني بكلمات دافئة ورقيقة ، إنسا بت الحروف بدون تنافر ، بحيث يسهل نطقها دون عناء …
2 – مقياس القوة والضعف
لقد تجلت قوة العاطفة في جميع النصوص بعبرات موجزة وبليغة ، حيث تترك في نفسية المتلقي آثارها واضحة وجلية ، تقول الشاعرة في قصيدة ( على صراط الفناء )
قد أقول لزمن أعدته للمرة الألف
لحظة انفصام بين الشوق والأنين
لحظة تسامي الوجع ..
سأقول رغم كل الأصوات الصارخة
رجني الوجع على صراط الفناء .
بعثرني على مسافات الرجاء ..
كان وهما حد الشهقة الأخيرة ..
————————————————-
الحادي عشرة : الموسيقى الشعرية في قصائد ديوان ( مرايا من ماء )
وردت في الديوان أربع قصائد من البحر المتقارب ، ويعود أصل تسميته لتقارب أجزائه ، فكلها خماسية ، فنغمة هذا البحر هي نفس النغمة التي نسمعها حين تجري عجلات القطار على القضبان الحديدية ، والمتقارب كذلك يقرب وجهات النظر وتلطيف المشاعر ، وكتب على وزنه الكثير من أعلام الشعر العربي ، بشارين برد ، المتنبي ، المهلهل ، امرؤ القيس ، أبو العتاهية ، البحتري ، أحمد شوقي ، طرفة بن العبد ، والأعشى قيس ، وأبو القاسم الشابي وغير هؤلاء . ولقد استفادت مدرسة الحداثة من البحر المتقارب .
الموسيقي الخارجية
إن توالي الأوتاد والأسباب في ( فعولن ) المكررة والمتقاربة بينها تشكل موسيقى رتيبة وصاخبة تلائم الحماسة والوجدانيات العميقة ، جاء في قصيدة ( أنت الضياء )
أيا نوره : كن أنيسا لعيني /////// كن الماء يروي صداي وجدبي
كن غصن صفصافة بات يرنو //////// لهطل زلال بشرق وغرب
الأوزان التي بنيت بها القصائد الأربع في الديوان خلقت فيه إيقاعا تألفه الفطرة ونغما تلذذه الأسماع ، الوزن والقافية هما الإطار الفني التي تتجسد من خلالهما تجربة الشاعر النغمية وتتوافق طبيعتها مع المشاعر والأحاسيس والعاطفة .
أما الموسيقى الداخلية للأربع قصائد عمودية فسندمجها في مع باقي القصائد النثرية .
الموسيقى الداخلية في قصائد الديوان
الموسيقى الداخلية تتولد وتساهم فيها عدة أسباب ، منها المحسنات البديعية كالجناس والطباق أو عن طريق التجانس بين الكلمات والحروف ، وتبعا لأحاسيس وانفعالات الشاعر ، وهنا يحس المتلقي بما كان يحس به الشاعر عند إنتاج قصيدته .
الإيقاع الموسيقي في قصائد ديوان ( مرايا من ماء ) ، يتميز بتوزيع صوتي خاص النغمة سواء في لحظات القلق أو الحزن أو الفرح …مستويات تختلف فيها التنسيقات الموسيقية النغمية ، موسيقى تتجدد كل لحظة وتستجيب لنغمات متداخلة وغير مترابطة تبعا لتشكل السطر الشعري أو الجملة الشعرية ، طريقة متميزة تعتمد فيها على فنية التشكيل المتوازي . تكرار الحروف يخلق نوعا من الجمال تألفه العين وتأنسه الأذن . لنلاحظ تكرار الحروف في قصيدة ( لك وهبت دمي )
ما بين رغبة همس
وجهر سفر ..
ما لفت المدى شمس
أنا شريان وصل
كتب بخصلات صفصاف
كما أن الشاعرة استعملت حروف المد ، لتخلق نغمة تعكس الحالة النفسية والعاطفية ، حيث تقول في قصيدة ( أهمس لظلي )
دعيني أغادر إلى القادم من ذكراك
علها تمنحني سكون الروح
علها تنعم في الأحلام برؤاك
دعيني أغادر
إلى حيث لا ألقاك
إن الإيقاع في قصائد الديوان هو التفاعل الذي يربط صوت الكلمات ومعانيها الشعرية ، على أساس أن الكلمة المفردة سواء كانت حرفا أو فعلا أو اسما فإنها تحمل حسا إيقاعيا له دلالاته وأثره في المتن الشعري .
الاسم يحمل أبعادا إيقاعية لا محدودة لطبائعه المتعددة والمتنوعة ، فهو إما صفات أو مصادر أو نعوت أو ظروف أو إضافات ، تقول الشاعرة في قصيدة ( رذاذ مقدس )
لحرفك المبعثر بين ثنايا الروح
دفق الرذاذ المقدس …
للنسيم الساري وهجا
من شفق ونور
صولة النصر
على أهوال زمن جاحد ..
لبريق عينيك الآتي سطوعا
تكرار الجمل الاسمية والفعلية وشبه الجملة من أجل خدمة الإيقاع الصوتي والإيقاع الدلالي في إطار ثنائية التشابك والتباين والتعالق ، والكل يلتحم في وحدة لخلق التفاعل المتنامي في النصوص .
—————————————————
الثاني عشرة : التقييم الرقمي الساند

لتقوية التحليل الذرائعي ، لابد للناقد أن يقدم برهانا رياضيا يختبر فيه تحليله ، يجمع فيه معظم الدلالات والأعمدة الرمزية وتحليلها ، ثم حسابه رقميا ، ليثبت رجاحة التعبير الأدبي ورصانته ، وهذا المدخل يمكن الناقد من الاندماج في صلب الموضوع ، ويساعده أيضا على الوصول إلى إجابات مقنعة حول الأسئلة التي تثار حول النص ، والتحليل الرقمي يزيل الغموض ، ويظهر الغايات المقصودة من النصوص بوضوح ، وكذلك يساعد على إظهار المعاني المخبوءة في النصوص …وتجنا لتطويل الدراسة النقدية نكمم الدراسة إحصاء ، ونترق للقارئ الإطلاع عليها …
– – دالات الذات ………….( 109 دلالة )

– – دالات القلق …………..( 94 دلالة )

– – دالات الطبيعة ………….. ( 153 دلالة )

– – دالات حسية إيجابية ………………( 228 دلالة )

– – دالات حسية سلبية ……………….( 87 دلالة )

– – دالات فلسفية ……………… ( 56 دلالة )-

– – دالة العاطفة …………………( 267دلالة )-

أول ملاحظة تتبين لنا من خلال أرقام الدلالات ، أن جمع دالات القلق والدالات السلبية ( 94+ 87 = 181 دالة ) ، وحين نقارنها بالدالات الايجابية ( 228 دالة ) يتبين أن الدالات الإيجابية تفوق الدالات السلبية ، يعني هذا ميل الشاعرة غلبت التفاؤل على التشاؤم .
أما إذا جمعنا جميع الدلالات ( 267+56+87+228+153+94+109= 994) . إن التحليل الرقمي قادنا إلى تقييم الإبداع ، فالشاعرة ذات نصوص ذاتية واقعية اجتماعية وجدانية غلبت التفاؤل على التشاؤم .

—————————————————

الثالث عشرة : الخلقية الأخلاقية للنصوص أو التيمة

تمتاز النصوص الرصينة بمواضيع خاصة تبنى عليها النصوص بشكل كامل ، سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو إنسانية …يلاحق خلالها المبدع السلبيات بكل أنواعها ، فيؤسس لقوائم أخلاقية تساهم في بنا المجتمع ، وهي أصدق مهمة للكاتب الحقيقي الرصين . فالأديب ملزم باحترام المثل والقيم العليا للمجتمع .
المضمون هو الهدف الأساسي الذي ينظر إليه الناقد ، ويسارع خطواته اتجاهه ، فهو يتلهف لمعرفة إيديولوجية الشاعر وإستراتجيته الفكرية ن واستشفاف رسالته الإنسانية .
القيمة الخالدة لكل إبداع تحددها الأفكار والرسالة الإنسانية والمجتمعية التي يحملها النص والمبدع على عاتقه .
من خلال استعراضنا لنصوص الشاعرة نبيلة حماني وجدناها وجدانية إنسانية ، تغلب منطق العقل الذاتي والجمعي على منطق التشاؤم أو الحط من القيم المثلى للمجتمع .

——————————————–

خاتمة واعتذار

أعتذر للقراء على إنتاج دراسة نقدية ذرائعية طويلة ، غنى الديوان فرض علينا ذلك ، وأعتذر للشاعرة نبيلة حماني لأني حللت الأهم والأجمل والرائع في الديوان ، ولازال في جعبتنا الكثير حوله …أطلب الله تعالى أن أكون وفقت في دراسة ديوان (مرايا من ماء ) للشاعرة نبيلة حماني ، بتحليل ذرائعي في تحليل النص الأدبي العربي . لم أجد ما أختم به أحسن من تقديم الديوان ، من طرف الأديب الروائي والناقد الدكتور محمد يوسف ، حيث جاء في التقديم :
( للمرايا اهتزاز الماء وللماء حدة صور المرايا من حق الشعر أن يصرخ في البرية طالبا لجوء الدمع في مقل الضياء . ومطالبا بحق الحواس التي سفكها اعترافات الكلمات ، ولو بشيك مؤجل الدفع من رصيد القراءة ( والرصيد هنا جد ضخم ) فقط لو تبدلت الأمور وامتلكت المرايا صوت هدير المياه واحتفظت المياه بذاكرة أطول للبقاء …للقصائد وتيرة انفعال لا تخطئ موقعها ، إيقاع ناعم يرتقي سلما من موسيقى الروح يطوف الأرض ويجمع بين جغرافيتها ومواسمها ويجعل من بطل وهمي يناجيه صوت الشاعرة حقيقة ماثلة بشحمها ولحمها وصوتها لتتدفق كل صوت الاحتمالات ذائبة في شحوم هذا البطل الخرافي فهو الحبيب وهو الابن وهو حالة عشق في منتهى المكان هذا المكان الذي اتسع وفاض جابرا خواطر الموجودات …)

المرجع المعتمد : الذرائعية في التطبيق / في تحليل النص الأدبي العربي / تأليف عبد الرزاق عودة الغالبي / التطبيق لعبير خالد يحيى  

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى