لا يفرق البعض بين طريقة جمع المؤنث (أي جمع كلمة مفردها مؤنث) وبين طريقة جمع المؤنث المنسوب مفرده بياء النسب ويجهلون الفرق بينهما.
وفيما يلي نمثل لذلك بأربع كلمات يجريها البعض على الألسنة كما لو كان لها معنى واحد.
المثال الأول : حاجات وحاجِيات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحاجات جمع حاجة (وهو جمع قياسي، أي يدخل في قاعدة جمع المفرد المؤنث بالتاء جمعا سالما على الصيغة المذكورة : حاجات.
والحاجة ما يتوقف عليه الإنسان ويحتاج إليه. ونقول في ذلك : “لي عندك حاجةٌ أرجو منك قضاءها”. ونقول :
ينطق بعض المذيعين بأخطاء لغوية هي في حاجة إلى التصحيح
ومن الأمثال أو الحكم المشهورة :”الحاجة أمّ الاختراع”، وقولهم : “الحاجة تُفَتِّق الحيلة”. وهما مثلان حديثان قد يكونان ترجمتين لشبيهتهما في لغات أجنبية تقول : “الضرورة أم الصناعة”.
وفي جمع الحاجة على حاجات جاء قول المتنبي يخاطب سيف الدولة ويستجدي عطاءه :
…”وفي النفس حاجاتٌ وفيكَ فَطانةٌ
… ……… سكوتي بيانٌ عندها وخِطابُ”
وجاء في القرآن الكريم : “إلاّ حاجةً في نفس يعقوب قضاها”. وجاء فيه أيضا : “ولكم فيها منافعُ ولتبلغوا عليها حاجةً في صدوركم”.
كما جاء في القرآن : “ولا يجدون في صدورهم حاجةً مما أُوتوا”.
ويُنسَب إلى لفظ الحاجة بياء النسب فنقول الحاجي. ونجمعه على حاجيات. لكنني أرى أن الحاجي غير الحاجة، إذا الحاجي اسم صفة والحاجة لا تفيد الوصف. وعليه، وحتى لا نقع في المترادف الذي لا يقول به بعض علماء اللغة -وأنا منهم- أرى أن نفرق بين الحاجة والحاجي وبالتالي بين الحاجات والحاجيات.
وقد نبهت بعض معاجم اللغة العربية الحديثة إلى أن عدم التفريق بينهما مستحدَث في العربية وليس أصيلا.
أقترح أن نفرق بينهما في الاستعمال. فنقول مثلا : “في السوق من البضاعة ما يكفي حاجات السكان”. ونقول :”هذا يدخل في الحاجيات التي يصعب قضاؤها في الوقت الراهن”.
الحاجيات بالمعنى الذي حددتُه غير الحاجات. وهذا يساعد على توحيد اللغة وتدقيق دلالات ألفاظها، وتميز مفرداتها بعضها عن بعض، في سعي مني إلى إبعاد فوضى الاستعمال عن اللغة العربية. وهي فوضى لا يوجد لها نظير في لغات أخرى وأتمنى أن تنتهي هذه الفوضى.
أنا أختلف في المنهج مع من قد يَرُدُّون عليّ فيقولون إنهم عثروا في معاجم اللغة على ما يفيد تطابق معنى الحاجات مع الحاجيات. فهذا هو الذي أدعو إلى تغييره وإنقاذ اللغة من فوضاه.
المثال الثاني : إمكانات وإمكانيات
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كل ما ذكرته أعلاه عن حاجات وحاجيات ينطبق على إمكانات وإمكانيات. فحينما نتحدث عن إمكانات حاضرة مشاهَدة أو مُتَحدَّثا عنها، علينا أن نستعمل المصدر العاري عن النسبة (إمكان، وإمكانات). وحين نتحدث عما من شأنه أن يدخل في الإمكان والإمكانات مما هو مُفْتَرَض إلحاقه بهما أو نسبته إليهما نقول الإمكانيات.
المثال الثالث : ضرورة، ضرورات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الضرورة ليست في نظري هي الحاجة التي يفيد لفظها ما يحتاج المرء إليه. بل الضرورة هي الحاجة المُلحَّة التي لا غنى عنها. (هكذا أفرق فيما يخصني بين المترادفات إغناء وتدقيقا لمعاني اللغة).
وتجمع الضرورة على ضرورات : ونقول في أحكام الشرع : “الضَّرورات تُبيح المحظورات”. فلا يُفطِر الإنسان في رمضان إلا للضرورة وليس لمجرد الحاجة إلى الطعام أو الشراب.
وإذا تجاوزت الحاجة الشدة المحتمَلة : نسميها الضرورة وننعتها بوصف كاشف، فنقول : “فعَل ذلك تحت ضغط الضرورة القُصوى”.
وما نصفه في الأحكام بالشرعي يصبح ضَرورة لأنه لا تجوز مخالفته. فنقول : “هذا الحكم معلوم من الدين بالضَّرورة”. ونقول : “يُكَفَّر من أنكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة”، أي ما ورد بشأنه حكم شرعي ثابت الدلالة، أي دلالته قطعية غير محتملة للتأويل.
أما الضَّروري فيعني ما تمس إليه الحاجة ولا يمكن الاستغناء عنه. ويقابله الكَمَالي. ونقول : “كانت السيارة مطلبا كماليا وأصبحت اليوم ضرورية”.
وكما نبهنا إليه في مثالي الحاجات، والحاجيات، والإمكان والإمكانيات يحسن التفريق أيضا بين الضرورات، والضروريات : الصيغة الأولى للدلالة على اسم يصبح في الصيغة الثانية صفة عندما تختمه بياء النسب.
المثال الرابع : سُلوكات وسُلوكيات
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السلوكات جمع سلوك. والسلوكيات جمع سلوكي. ويجري على هذه الكلمة ما يجري على الأمثلة الثلاثة السابقة.
جمع سُلوك على سُلوكات مثله مثل جمع شرح، على شُروح، وشُروحات. وجمع فَهم على فُهومات. وجمع سلوكي على سلوكيات، مثل جمع ضروري على ضروريات، وبَديهي على بديهيات.
لكن لا بد أن نلاحظ للتفريق بين الجمعين وجودَ ياء النسب في المفرد. وعلى ذلك نقول : “هذا الشخص ذو سلوكات غريبة” ونقول: “وللمذاهب الباطنية سلوكيات تنفرد بها” ونقول فلان يتظاهر بحسن سُلوكه أو سُلوكاته… لكنه ينتمي إلى مجموعة تُنسَب إليها سلوكياتٌ مذهبيةٌ مُريبة.