دراسات و مقالات

ثنائية الموت والحياة من منظور شعري

مجدي شلبي

أولا: مفهوم الموت عند فحول الشعر العرب

ما وجدت مقالا بدايته أشق وأصعب عليَّ من هذا المقال، المرتبط بـ (الموت: نهاية الحياة الدنيا)؛ إلا أن الشاعر مهيار الديلمي أرشدني بقوله:
ما زلتَ بالتدبير تركبُ صعبه *** إلى سهله حتى يستوى السهلُ والصعبُ
فرأيت أن تكون البداية مع (النوم: الوفاة الصغرى)؛ يقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
ونوميَ موتٌ، قريبُ النشور، *** وموتيَ نوْمٌ، طويلُ الكَرى
المَوتُ نَومٌ طَويلٌ، لا هُبوبَ لَهُ، *** والنّومُ موتٌ قَصيرٌ، بَعثُهُ أَمَمُ
ـ فيضيف الشاعر أبو نواس:
يَستَيقِظُ الْمَوْتُ منهُ عندَ هزّتِهِ، *** فالْمَوْتُ من نائمٍ فيهِ ويَقظانِ
ـ فيقول الشاعر أبو العتاهية:
لا بدَّ من موتٍ بدارِ البِلَى *** واللهُ بعدَ الموتِ يحيي العِظامْ
ألا يا مَوْتُ! لم أرَ منكَ بُدّاً، *** أتيتَ وما تحِيفُ وما تُحَابِي
ـ فيضيف الشاعر أبو تمام:
وفاجعٌ موتٍ لا عدواً يخافهُ *** فيبقي ولا يبقي صديقاً يجاملهْ
ـ فيكمل الشاعر ابن المعتز:
وما النّاسُ إلاّ سابقٌ ثمّ لاحقٌ، *** وآبِقُ مَوتٍ ثمّ يأخذُهُ غَدا
ـ ويقول الشاعر أبو العتاهية:
ألَمْ تَرَ أنَّ الموتَ يهتِرُ شبيبة ً *** وَأنّ رِماحَ المَوْتِ نحوَكَ تُشرَعُ
ـ فيضيف الشاعر النابغة الشيباني:
ولا ينجي الجبان حذار موتٍ *** ويبلغ عمره البطل النجيد
ـ فيقول الشاعر الفرزدق:
فَهَلْ أحَدٌ يا ابنَ المَرَاغَةِ هَارِبٌ *** مِنَ المَوْتِ، إنْ المَوْتَ لا بدّ نائلُهْ
ـ فيضيف الشاعر أبو العتاهية:
كم من عزيز أذل الموت مصرعه *** كانت على رأسه الرايات تخفق
ماَ يدفَعُ الموْتَ أرجاءٌ ولاَ حرَسُ *** مَا يغلِبُ الموْتَ لاَ جِنٌّ ولاَ أنسُ
ـ فيقول الشاعر جبران خليل جبران:
علم الاولى ماتوا وليت بنهيمو *** علموا بأن الموت ضربة لازم
ـ فيقول الشاعر أسامة بن منقذ:
إذا أنا هبت الموت في حومة الوغى *** فلا وجدت نفسي من الموت موئلا
ـ فيضيف الشاعر المتنبي:
فطَعْمُ المَوْتِ في أمْرٍ حَقِيرٍ *** كطَعْمِ المَوْتِ في أمْرٍ عَظيمِ
ـ فيقول الشاعر أحمد شوقي:
ذَروني وَشَأني وَالوَغى لا مُبالِياً *** إِلى المَوتِ أَمشي أَم إِلى المَوتِ أَركَبُ
ـ ويقول الشاعر أحمد محرم:
قال كلا لست ممن يتقي *** عاصف الموت إذا الموت ارتمى
ـ فيقول الشاعر البحتري:
حُتُوفٌ أصَابَتْهَا الحُتوفُ، وَأسهُمٌ *** من المَوْتِ، كَرَّ المَوْتُ فيها بأسهُمِ
ـ ويقول الشاعر محمد إقبال:
فإذا أعوز عيش الرجل *** فالحياة الموت موت البطل
ـ فيكمل الشاعر أبو تمام:
يتساقونَ في الوغى كأسَ موتٍ *** وَهْيَ مَوْصُولَة ٌ بِكَأْسِ رَحِيقِ
ـ فيقول الشاعر عبد الجبار بن حمديس:
يموتونَ موتَ العِزِّ في حَوْمة ِ الوغَى *** إذا ماتَ أهلُ الجبنِ بين الكواعب
ـ فيقول الشاعر ابن حجاج:
سيدي عبدك في الزيتِ *** فر من الموتِ إلى الموت
ـ فيكمل الشاعر الشريف المرتضى:
يَسعى الفتَى وخيولُ الموتِ تطلبُهُ *** وإنْ نَوى وقفة ً فالموتُ ما يقفُ
ـ ويبدع الشاعر أبو العتاهية في الوصف؛ فيقول:
النّاسُ في زَرْعِ نَسْلِهِمْ وَيَدُ الــ *** ـموتِ بِهَا حصدُ كلِّ مَا زرَعُوا
الموتُ حَقٌّ لاَ محالة َ دُونَهُ *** ولِكُلّ مَوْتٍ عِلّة ٌ لا تُدْفَعُ
ـ فيقول الشاعر الفرزدق:
وَلَسْتُ بِنَاسٍ فَضْلَ رَبّي وَنِعْمَةً *** خَرَجْتُ بهَا مِنْ كُلّ مَوْتٍ محَدِّقِ
ـ فيكمل الشاعر حيدر بن سليمان الحلي:
وقريبٍ إليَّ أبعده الموتُ *** وكم أبعدت يدُ الموت خلاّ
ـ فيقول الشاعر أبو العتاهية:
حسمْتَ المُنَى يا موتُ حسماً مُبرِّحاً *** وعلَّمْتَ يا مَوْتُ البُكاءَ البواكِيا
وَمَزّقْتَنَا، يا مَوْتُ، كُلَّ مُمَزَّقٍ، *** وعرَّفتَنَا يا موتُ منكَ الدَّواهِيَا
ـ فيضيف الشاعر البحتري:
سَالَتْ مُقَدَّمَةُ الدّمُوعِ، وَخَلّفتْ *** حُرَقاً تَوَقَّدُ في الحَشَا، ما تَرحَلُ
ـ فيقول الشاعر بشار بن برد:
كَأني غَرِيبٌ بَعْدَ مَوْتِ «مُحْمَّدٍ» *** ومَا الْمَوْتُ فِينَا بَعْدَهُ بغَرِيبِ
ـ فيؤكد المعنى الشاعر ابن زمرك:
وفي موت خير الخلق أكبر أسوة *** تصبر أحرار النفوس وتسليها
ـ ويقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
موتٌ يسيرٌ، معه رحمةٌ، *** خيرٌ من اليُسر وطولِ البقاء
ـ ويضيف الشاعر أحمد محرم:
موتى فما موت العليل بضائرٍ *** وكفى بآلام الحياة حماما
ـ فيؤكد المعنى الشاعر بدر شاكر السياب:
موت يجيء كأنه سنة *** و يمس آلامي فينهيها
ـ فيقول الشاعر مهيار الديلمي:
يعيشُ قلبي وهو عيشٌ مؤلمٌ *** ثم يموتُ وهو موتٌ طيبُ
ـ فينبه الشاعر أبو القاسم الشابي نفسه؛ قائلا:
صلّ يا قلبي إلى الله فإن الموت آت *** صلّ فالنازع لا تبقى له غير الصلاة
ـ فيضيف الشاعر بدوي الجبل:
ثمّ خذني إليك يا موت جذلان *** طروبا إلى الردى مرتاحا
ـ فيعلن الشاعر بهاء الدين العاملي عن حقيقة:
إن هذا الموت يكرهه *** كل من يمشي على الغبرا
وبعين العقل لو نظروا *** لرأوه الراحة الكبرى
ـ فيقول الشاعر أسامة بن منقذ:
فإن له في الموت أعظم راحة *** وأمْناً من الموتِ الذي كان يُنتظَرْ
ـ فيقول الشاعر أبو تمام:
أقُولُ وقد قالُوا استَراحَتْ بِمَوْتِها *** من الكربِ روحُ الموتِ شرٌّ من الكربِ
ـ فيرد الشاعر ابن حيوس؛ قائلا:
الموتُ أيسرُ منْ هذا وَذاكَ وَما *** كَرْبُ المَمَاتِ وَلاَ فِي المَوْتِ مِنْ عَارِ
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
لا تجعلنَّ الموت نُكراً فإنما *** حياة ُ الفتى سَيْرٌ إلى الموت قاصدُ
ـ ويقول الشاعر حسان بن ثابت:
أمنَ الموتِ ترهبونَ؟ فإنّ ال *** موتَ موتَ الهزالِ غيرُ جميلِ
ـ ويكمل الشاعر قيس بن الملوح مجنون ليلى:
فيسيقه كأس الموت قبل أوانه *** ويُورِدُهُ قَبْلَ المَماتِ إلى التُّرْبِ
ـ فيقول الشاعر سبط ابن التعاويذي:
فماتوا بها موتَ الكلابِ أذِلّة ً *** وَعَاشُوا بِهَا فِي الْجَهْلِ عَيْشَ الْبَهَائِمِ
ـ فيؤمئ الشاعر الشريف المرتضى برأسه إيجابا؛ ويقول:
الذُلُّ موتٌ للفتى *** والعزُّ في الدنيا الحياة ُ
ـ فيضيف الشاعر علي بن محمد التهامي:
موتُ الذليل كعيشه ويدُ الفتى *** شلاّء أو مقطوعة ٌ سيان
ـ فيقول الشاعر عنترة بن شداد:
منْ لم يَعشْ مُتَعزّزاً بسنانه *** سَيمُوتُ مَوت الذُّلّ بين المعْشر
ـ فيكمل الشاعر بدوي الجبل:
يا لها ميتة و من صور الموت *** همود الإباء و الإذعان
ـ فيضيف الشاعر حيدر بن سليمان الحلي:
الحزمُ موتٌ باعتزازٍ *** لا حياة ً في هوان
ـ ويكمل الشاعر أحمد شوقي:
وَقَفتُمْ بَينَ مَوتٍ أَو حَياةٍ *** فَإِن رُمتُمْ نَعيمَ الدَهرِ فَاشْقَوا
ـ ويقول الشاعر أحمد محرم:
داء أهل الشرق ضعف الهمم *** وبهذا كان موت الأمم
ـ فيقول الشاعر أبو العتاهية:
نسيتُ الموتَ فيمَا قدْ نسِيتُ *** كأنّي لا أرَى أحَداً يَمُوتُ
ـ فيقول الشاعر كعب بن زهير:
إن يُدرككَ موتٌ أو مشيبٌ *** فقبلَك مات أقوامٌ وشابوا
ـ فيقول الشاعر الشريف المرتضى:
يا موتُ ما أبقيتَ من شمّخٍ *** غرٍّ وما جاوزتَ من رذّلِ
ـ فيقول الشاعر الشريف الرضي:
إنّمَا قَصّرَ مِنْ آجَالِنَا *** إننا نأنف من موتِ الهرم
ـ فينصح الشاعر أبو نواس؛ قائلا:
لا تُذَكّرْ بنَفسِكَ الْـ *** ــمَوْتَ مادامَ غافِلا
ـ ويقول الشاعر عديّ بن الرعلاء:
ليس من مات فاستراح بميت *** إنّما الميت ميّت الأحياء
إنّما الميت من يعيش كئيبا *** كاسفا باله قليل الرجاء
ـ فيضيف الشاعر ابن دارج القسطلي:
وإن مات موت اليأس منكم رجاؤه *** تنسم فيكم روحه فيرده
ـ فيقول الشاعر أبو الفضل الميكالي:
أنافسُ في هواه وهو مَوتٌ *** متى عاينتَ في مَوتٍ حَسُودا
ـ فيفاجئنا الشاعر قيس بن الملوح مجنون ليلى؛ بقوله:
خَليلَيَّ أَمّا حُبَّ لَيلى فَقاتِلٌ *** فَمَن لي بِلَيلى قَبلَ مَوتِ عَلانِيا
ـ فيضيف الشاعر ابن المعتز:
وعطلَ من نفسي مكانُ رجائها، *** فإن لم يكن موتٌ، فكالموتِ ما بيا
ـ فيكمل الشاعر الخُبز أَرزي:
فرؤيتي لك تُحييني وتقتلني *** ومهجتي منك في موتٍ وفي وَهَجِ
ـ فيقول الشاعر ابن الرومي:
ما تزالينَ نظرة ٌ منك مَوْتٌ *** لي مميتٌ، ونظرة تخليد
ـ فيضيف الشاعر عنترة بن شداد:
موتُ الفتى في عزهِ خيرٌ له *** منْ أنْ يبيتَ أسير طرفٍ أكحل
ـ ويقول الشاعر الخُبز أَرزي:
موت البريَّة عند وقت وفاتِها *** والعاشقون لهم فنونُ مماتِ
ـ فيضيف الشاعر عروة بن حزام:
وما عَجَبِي مَوْتُ المُحِبِّينَ في الهوى *** ولكنْ بقاءُ العاشقينَ عجيبُ
ـ فيقول الشاعر بشار بن برد:
إِنَّ مَوْتَ الذِي يموت من الحُـ *** ب عفيفاً لهُ على الناس فضل
ـ فينبههم الشاعر ابن الخياط إلى (أنه):
إذا قَتَلَ البُعْدُ أهْلَ الهَوى *** فأقْتَلُ لِي مِنْهُ مَوْتُ الكِرامِ
ـ فيكمل الشاعر ابن عبد ربه:
فما الموتُ إلا عيشُ كلِّ مبخَّلٍ *** وما العيشُ إلا موتُ كلِّ ذميمِ
ـ فيوافقهم الشاعر أبوالعلاء المعري الرأي؛ ويضيف:
الفقرُ موتٌ، غيرَ أنّ حليفَه *** يُرجَى له، بتموّلٍ، إنشار
ـ فيقول الشاعر أحمد محرم:
يهلك الحر ويحيا غيره *** وحياة السوء موتٌ جلل
ـ ويقول الشاعر جبران خليل جبران متعجبا:
تغنم العيش في رخاء وأمن *** ويغول (جارك) موت زؤام
ـ فيكمل الشاعر ابن المعتز:
ما العيشُ إلاّ مدة ٌ سوفَ تنقضي ، *** وما المالُ إلاّ هالكٌ عندَ هالِكِ
ـ ويضيف الشاعر أبو العتاهية:
هوَ المَوْتُ، فاصْنَعْ كلَّ ما أنتَ صانعُ، *** وأنْتَ لِكأْسِ المَوْتِ لاَ بُدَّ جارِعُ
ـ فيقول الشاعر ابن نباتة السعدي:
من لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحد
ـ فيضيف الشاعر أبو العتاهية:
كُلُّ حيٍّ سيطعَمُ الموتَ كَرهاً *** ثُمَّ خَلْفَ المَمَاتِ يَوْمٌ فَظيعُ
ـ ويقول الشاعر ابن عبد ربه:
بقاءُ لئامِ الناسِ موتٌ عليهمُ *** كما أنَّ موتَ الأكرمينَ بقاءُ
ـ فيقول الشاعر أبوالعلاء المعري:
نصَحْتُكَ، فاعملْ له دائماً؛ *** وإن جاء موتٌ، فقلْ: مرحبا
ـ فيقول الشاعر هدبة بن الخشرم:
لا أرى ذا المَوتَ إِلّا هَيِّناً *** إِنَّ بَعدَ المَوتِ دارَ المُستَقَر
ـ فيوجه الشاعر علي بن أبي طالب نصحه؛ قائلا:
النفس تبكي على الدنيا وقد علمت *** أن السعادة فيها ترك ما فيها
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها *** إلا التي كان قبل الموت بانيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه *** وإن بناها بشر خاب بانيها
ـ فيضيف الشاعر أحمد شوقي:
الجهدُ موتٍ في الحياة ِ ثماره *** والجهدُ بعدَ الموتِ غيرُ مضاع
ـ فيؤكد المعنى الشاعر الفرزدق:
لا والّذِي هُوَ بِالإسْلامِ أكْرَمَنَا، *** وَجاعِلُ المَيتِ بعدَ المَوْتِ في الجَنَنِ
ـ فيبدع الشاعر ابن النبيه في الوصف؛ فيقول:
طرقت يا موت كريما فلم *** يقنع بغير النفس للضيف زاد
ـ فيقول الشاعر حيدر بن سليمان الحلي:
فلا يشمت الحسّادُ في موت ماجدٍ *** قضى حين وافته الملائكُ بالبشرى
ـ فيضيف الشاعر عبد الغفار الأخرس:
وقد كرهتُ حياة لا أراك بها *** مذ كان موتُك موت الفضل والجود
ـ فيقول الشاعر أبو العتاهية؛ متحسرا:
يا مَوْتُ يا موتُ لاَ أرَاكَ منَ الـ*** خَلْقِ، جَميعاً، تُبقي على أحَدِ
ـ ويضيف الشاعر البرعي:
و للمرءِ يومٌ ينقضي فيهِ عمرهُ *** و موتٌ وقبرٌ ضيقٌ فيهِ يولجُ
ـ فيقول الحسين بن علي:
المَوتُ خَيرٌ مِن رُكوبِ العارِ *** وَالعارُ خَيرٌ مِن دُخولِ النارِ
ـ ويتهيأ سفيان الثوري (من أئمة الحديث) للعودة إلى مثواه الأخير بالبصرة، مرورا بمسقط رأسه إقليم خراسان؛ منشدا:
يا نفس توبي فإن الموت قد حانا *** وأعصي الهوى فالهوى ما زال فتانا
أما ترين المنايا كيف تلقـطنا *** لقـطا وتلحق أخرانا بأولانا
في كل يوم لنا ميت نشــيعه *** نـرى بمصـرعه آثار موتانا
يا نفس مالي وللأمـوال أتركها *** خلفي وأخرج من دنياي عريانا
أبعد سنين قـد قضيتها لعبا *** قد آن تقتصري قـد آن قد آنا
ما بالنـا نتعامى عن مصائرنا *** ننسى بغـفلتنا من ليس ينسانا
نزداد حرصا وهذا الدهر يزجرنا *** كان زاجرنا بالحرص أغرانا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى