دراسات و مقالات

بعض ما خبأ الياسمي – الشاعر الليبي محمد المزوغي – ١٩٦١م ٠

السعيد عبد العاطي مبارك

(وطن تناءى عنك/ لملم روحه ومضى/ وأمعن في الغياب…. كفكف دموعك/ رب نار جنة/ ولرب جرح/ فيه برءك لو علمت….)
===
” لا وقت للحقد :
لم أعرفِ الحقدَ
لم أحملْ حقيبتَهُ
وخاسرٌ خاسرٌ
في الحقدِ من رَبِحا

مُذْ قلتُ للحبِّ
كُنْ صوتِي
وكُنْ بصرِي
لِغيرِهِ بدُخولِ القلبِ
ما سمحَا

لا تُغلقِ البابَ
في وجهِ امرئٍ أبدًا
لا بابَ أجملُ
من بابٍ قد انفتحا “٠
***
من أرض عمر المختار – ليبيا الحبيبة – ننطلق مع فن الشعر حيث جذوره الممتدة من الفتح العربي لهذا الإقليم المتشابك بالحضارات القديمة و التراث التليد و الجمال الإفريقي، و ثورة البحر ، و الصحراء و التلال الساحرة و الشواطيء الجميلة ، منظومة تلهم الإنسان العادي قبل الموهوب و العبقري في رسم معالم الإبداع الأدبي و لا سيما الشعر ٠
فإذا قال الشاعر عن ليبيا رصد لنا الواقع برغم عشق المواطن لهذا الوطن ملحمة جهاد طويلة تغني بها الشاعر و الفارس العربي من صلاح الدين في حطين حتي المختار في ليبيا الخضراء ٠
بالأمس قال عبد الحميد البكوش رئيس وزراء ليبيا السابق و الشاعر الجميل في ديوانه ( لا وقت للحب !! ) حيث انشغلوا بالبناء في خريطة العمل التي تجمع انداء الحب لاحقا ٠
فاليوم قد قال المزوغي في ديوانه ( لا وقت الكره ) ٠
انها فكرة التضاد و الاستثناء في تباين يؤكد معني الأخلاق في رسالة الشعر هكذا ٠٠

* نشأته :
======
ولد الشاعر الليبي محمد سالم المزوغي ، عام ١٩٦١م ،في مدينة بنغازي الليبية ٠
شرفاً لغوياً بإذاعة الوطن، وتولى رئاسة تحرير مجلة الثقافة العربية. نشر نتاجه الأدبي في الصحف والمجلات المحلية والعربية. قدم العديد من البرامج الإذاعية.

كتب القصيدة العمودية معشوقته ، و جميع أنواع الشعر القصيدة تفعيلية و نثرية ، و لكنه يجد نفسه في القصيدة العمودية برؤية حداثوية٠

* صدرت له ستة دواوين شعرية هي:
————————
= ما تبقى من سيرة الوجد عن دار المخطوط العربي 2000 ٠
= اتساع المدى عن مجلس الثقافة العام 2004 ٠
= لقطات 2006 عن دار المخطوط العربي ٠
= بعض ما خبأ الياسمين عن دار الساقية 2013، = لا وقت للكره 2018 عن مكتبة طرابلس العلمية العالمية ٠
= نوستالجيّا ديوان شعر ٠
= التفعيلة الأخيرة في الشعر العربي دراسة في القافية والإيقاع.
بجانب بعض الكتب في الإسلام مثل :
= أدلة حكاية الفقه الإسلامي ٠
= الدعاء في الإسلام.

* مختارات من شعره :
==============
هكذا يطل علينا الشاعر الليبي، محمد المزوغي، بلوحات الفنية الرائعة ليوسف لنا واقعه الممتد من خلال قصيدته والتي تحمل عنوانها الفلسفي الجدلي «رجل بلا وطن» و لم لا فهو يرصد فيها الاتجاهات و الصراعات التي تعصف بالانسان و الوطن معا و من ثم يقول في مطلعها متسائلا عن مجريات الأحداث داخل مسافات الحب ، و لحظة الفقد لمعني الإنسان و الوطن معادلة ينطلق من خلالها :
لماذا يدهمني كُلُّ هذا الحُبِّ عندما أشعرُ بالحُزنِ
وأشعرُ بكِ بعيدةً؟!
(نيرودا)
هو شاهدٌ
وأنا أراهُ شهيدَا
رجلٌ بلا وطنٍ
يعيشُ وحيدَا ..
قالتْ له المحنُ العظيمةُ
لا أرى للحزن فيكَ
– وكَمْ ركضتُ – حُدُودَا
من أنت؟!
كيف حفرتَ نَهْرًا وَاسِعًا
في قاعِ رُوحِكَ
لم يزلْ ممدودا..
لم تلق في ( شيرازَ)
نصفَ قصيدة
قالت لـ( حافظَ):
كم أراك سعيدا
لم تُهْدِكَ (الزَّرقَاءُ) كُحلَ عُيُونِها
لترى قريبا
ما نراه بعيدا..
لم تبتسمْ لك (موناليزا)
لم يَمِلْ (بيزا) لأجلكَ
لم تكن (جمشيدا)..
ما مرّ حيث مررتَ (نيرودا) لكي
تزهو بأنّكَ تقتفي (نيرودا)
ما زلت تحلم
باحتمالٍ قادمٍ
حتى أضعتَ الممكنَ الموجودا..
*
الممكنُ الموجودُ
بابٌ مُغلقٌ
ما عاد يُحسنُ أن يريكَ جديدا..
من أين لولا الحلمُ
تنثالُ الرُّؤى
فينا لتوقظَ غافلينَ رُقُودَا؟!
ما كان ( سورُ الصين ) إلّا فكرةً
بالحبّ أضحتْ واقعًا مشهودَا..
الحُبُّ أن تُسقى
بكأسٍ مرّةً
فتظلُّ تطلبُ
– ما حييتَ – مزيدا..
*
تأتي القصيدةُ
حين تأتي نقرةً
في القلبِ
تفتحُ بابه الموصودا..
تُدني إلى الأحلامِ
وعدَ حدوثها
وتردُّ يأسًا هازئًا عربيدا..
إن لم يَكُنْ حُبًّا
يبدِّدُ كُرهَنَا
هذا القصيدُ فلا نريدُ قصيدا..
إن لم يكن كقميص يوسف
حاملًا وعدَ الضياء
فليس إلا وعيدا..
بعضُ القصائد فيك
تشبهُ (نرجسًا)
وأحبُّهَا أن تشبه (الأوركيدا)
فدعِ البياضَ
يزورُ قلبَكَ وابتسمْ
سيزيلُ أحقادًا
هنالكَ سُودَا..
ما العيشُ إلا أن تضئَ تَسَامُحًا
ما الموتُ إلّا أن تعيش حقودا..
*
رَجُلٌ بلا وطنٍ
سينحتُ دونما يأسٍ بلادًا
لن يظلَّ وحيدا..
سيعادُ تشكيلُ المكانِ
كما اشتهتْ رؤيا الجمالِ
على يديه أكيدا؟!!
===
و نختم للمزوغي بهذه القصيدة تحت عنوان( مُنَمنَمَةٌ ) يكشف لنا أسرار تختبيء تحت عباءة التجليات في سرد بلا حدود يطوف بنا بين حقائق النفس المتعبة في لغة متناسقة و صور متزاحمة و مقاطع تجسد لنا مواقف تعكس زفرات المستحيل ، فيقول :

لأنّك في بدء الأحاديث تخطرُ
وحتّى ختامُ النصّ
عنك يعبّرُ

يحاصرني معناك
في كل فكرةٍ
ويصعدُ بي
هذا الحصارُ المفكّرُ

لأنّك ما بيني وبيني تعيدني
إلى الدهشةِ الأولى
فأصغي وأبصرُ

أكسّرُ في حبس الرتابةِ قَيدَها
وأجملُ شيءٍ في القيودِ التكسُّرُ

وأمشي على مَهْلٍ
كما مرَّ شاعرٌ
يقولُ بأنّ الأرضَ
مثلك تشعُرُ

يقولُ بأنّ الله أودع سِرّه
لدى كُلِّ قلبٍ
لم يَزُرْهُ التكبُّرُ

يخبّئُ في عطر النهار جراحَهُ
لينثرها في الليل
مِسْكٌ وعنبرُ

هو الحُبُّ في كفِّ المُحِبّينَ وردةٌ
يُفاضُ بها معنىً
من العطرِ أكبرُ

يعيد إلى الإنسانِ
ميزانَ عدله
فيهدم جدران الفروق ويعبر

تضيء به في الكفِّ
سبعُ سنابلٍ
وتزدادُ حتّى
يقهرَ الجوعَ بيدرُ

وتستثمرُ الأرضُ اليباسُ دموعَهُ
لتجرفَ أعوام الرمادة أنهر

هو الشغفُ العالي
منمنمةٌ إذا
تراءت لنا ألوانُها
نتحيّرُ

هنا علّق العشّاقُ
أسرارَ بوحهم
ليحيا بها حبرٌ
و يعظُمَ دفترُ

هنا شهدتْ تبريزُ
إشراقَ شمسها
وشوهد ( روميٌّ )
يدورُ ويسكرُ

هنا قال ( ما أذنبتُ
قالت مجيبةً
وجودُكَ ذنبٌ )
يا بصيرُ وأكثرُ

ولاشيءَ إلّا أنتَ
غيرُك لا يُرى
وكيف يُرى اللاشيءُ
أو يُتصوّرُ؟!

إذا مَدّ لي التيهُ الطويل ضبابه
تيقنتُ أنْ خلف الضَّبابِ سَتُسْفِرُ

وإن أوقفتْ عيني
ارتدادَ جُفُونِها
علمتُ بأنّ العينَ نحوكَ تنظرُ ٠٠
***

هذه كانت قراءة سريعة في عالم الشاعر الليبي محمد المزوغي الذي ألف الشدو و الغناء في حضن الوطن ، و نقش في العشق تراتيله الرومانسية بين ظلال البيئة الجميلة يحصد منها روح الحياة من خلال قصيدته العمودية التي يواصل سيرة الشعراء عبر رحلة الشعر في رسم مساره الصحيح ، و لا يغفل لحظة الواقع بين الحزن و الحلم دائما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى