شعر

(بائِسٌ يَندُبُ أُمَّه

محمد رشاد محمود

كانَ ذلِكَ في إبريل من عام 1980 وقد رُحتُ أضرِبُ في شوارِع الرَّمادي بالعراق في هزيعٍ متأخِّرٍ من الليل ، بعد أن ظللتُ أقرعُ بابَ الفندقِ الذي أودَعتُ فيه جواز السَّفَر محاولًا إيقاظَ راعِيه حتَّى استَحيَيتُ ، ووجدتُني لقًى على الطريق أمامَ جهامٍ يتَرَصَّدُالسائِحَ ويُمسِكُ بخناق النَّفس وسماءٍ تكادُ تُطبِقُ على الأرض ، لولا غمزات نجومها ، ولم يكُ بُدٌّ من التطوافِ حتّى يمتَعَ النَّهار ، في تَرَصُّد من سيَّارات الشُّرطة وتَجَهُّم المارَّة ، واسْتَشعَرتُ حينها مرارَة العجز ، وتلَبَّستُ حالَ البائِس اليتيم يضيعُ بعَوزِهِ في غمَّاء ذلك العالم الكبير والمُقَيَّد الراسِف يستشرِف الفكاكَ من القَيْد ، وبعدَ لأيٍ أطلَّ الصباحُ بوجهِه وفي جيبي قصيدَةً استعَنتُ بِدَندَنَةِ أبياتها على جهامَة الظُّلمَةِ ورتابَة السُّكون ، كانَ منها هذه النَّبضات :
نَجمَــــــةً يَـــا أُمُّ نَجمًــــا
قَــد رَمَـــقْـتُ الأنجُمَــــــا
غَاضَ مِنِّي البِشْرُ يَا أُمــ
ــمُ ولَـــم يَـجْفُ السَّـــــما
نامَ حَولي الكَـونُ يا أُمْـــ
ــمُ وَوَحْــــدي لَــــمْ أَنَـــمْ
أسْأَلُ الظَّلْمَـاءَ عَنْ حِصْـ
ــني وأَسْتَجْـــدي العَــدَمْ
أَيْــــنَ يـــا أُمَّـــــاهُ وَجْـهٌ
مِنْــكِ يُــذري بـِالشَّـجَـنْ؟
أَيْــنَ يَــــا أُمَّــــاهُ حضْنٌ
أتَّـقِي فِيـــــهِ المِـــــحَـنْ؟
مِنْ وَرَاءِ الـدَّمْـعِ يـا أُمْــ
ـــمَاهُ أسْـتَجلِــي سَـنَــــاهْ
شَاكِـــيًا مِنْ ظُلْـمَةِ الـدُّنْـ
ــيَــا وَمِنْ ظُلْـمِ الحَيَــــاهْ
كَيْــفَ صَاحَ البُؤْسُ فَظًّا
كُـــنْتُ لِلـبُــؤْسِ صَــدَى
لَــيْتَني كُــــنْتُ هَــــــبَاءً
لَــيْتَـني طَـوْعُ الــــرَّدَى
يُقْبِـــلُ العِيـــــدُ ونَوْحِـي
بَيْـــــنَ أَتْــرابِي وَحِيـــدْ
لَهـوُهُــم لِـي مُـحْرِقٌ يَــا
أُمُّ والكَــــرْبُ شَــــدِيــدْ
كُلُّهُـــم قَـد زَفَّــــهُ لِلسَـــ
ــسَــــــــعْــــــدِ أُمٌّ وَأَبُ
وَاَنــا في العِيدِ يَـــا أُمْـــ
ـــمَــاهُ يُتْمِـــي مُـــذْنِـبُ
لَوعَتِي فِي القَلْبِ لا تَخـ
ـــبُـو وشَــــوْقِي دَائِـــــمُ
هَـــدَّ مِنِّي الــنَّأيُ نَعمَــا
ئِـي وَكَـــــــرْبي قَائِــــمُ
آهِ يَـــا أُمَّــــاهُ يَـــا أُمْـــ
ـــمَـــاهُ يَــــــا أُمَّــــاهُ آهْ
بَـاطِلٌ ذا العَـيْشُ جَهْـــمٌ
بَـاطِشٌ شَـــوكٌ جَنَـــــاهْ
أَشتَكِـي البَلـوَى وأبْكِــي
لَيْسَ مَنْ يَبْكِـــي مَعِـــي
تَضْحَكُ الدُّنيَـا وكَـــرْبي
عَــــاصِفٌ في أَضْلُــعِي
وَيَـرَاني النَّــاسُ لا يَكْـــ
ـــفِيهِـــــــمُ أنِّـــي فَقِيـــرْ
إِذْ بَلَــــوْا بَعْـــدَ اغْتِــناءٍ
فـــاقَةً كُــــنْـتُ النَّذيــــرْ
كَــــمْ كَــــبِيرٍ مِنهُــمُ قَـدْ
كــانَ بِالبَــطْشِ صَغيـرَا
يَجتَـــوي نَفْـعِي وَيُلْــفِي
مَطْلَـــبي المَأوَى كَبيــرا
وثَرِيٍّ غَــــلَّ عَـنِّي الــ
ــمـالَ واسْتَحْلَــى دَمِــي
مُتْخَــمٍ دُوني وجُــوعِي
نَـــاخِــرٌ فِي أَعْـــظُمِـي
نَجْمَـــةً يَــــا أُمُّ نَجْمًــــا
قَـــدْ رَمَــقْتُ الأَنْجُمَـــــا
غَاضَ مِنِّي البِِشْرُ يا أُمْـ
ــمُ ولَــــمْ يجْفُ السَّمَـــا
فارِيَــاتٌ هُـــنَّ يَــا أُمْــ
ـــمَــاهُ مَــــوْجَ الغَلَـــسِ
وَدُجَى الحَــــوْباءِ لا يُفْـ
ـــرَى بِضَـــوْءِ القَبَـــسِ
خَــاطِري يَــــا أُمُّ قَـرحٌ
فِي حَشَى الصَّدْرِ خَطِير
أُبْصِرُ الكَـــوْ نَ فَيَــدجُو
في رُؤَى نَفسِي المُنيــرْ
أيْــــنَ أيَّــــامٌ تَقَـضَّــتْ
جَاهـلًا فيهَــا السُّمُـومْ ؟
غَابَ عَنْهَـا السُّهدُ وانْجَا
بَــــتْ شَقاوَاتُ الهُـمومْ
كُـنْتُ كَالعُصفُورِ أَلْهُـــو
مِــــنْ بسَــــاطٍ لِـــفَنـَـنْ
غَافِلًا عَنْ نَكْــبَةِ الدُّ نْــ
ــيَـا وبَأسَــــاءِ الزَّمَـــنْ
ارْجِـعِي يَــــا أُمُّ تَرْجِعْ
لِلدُّنـــــا رُوحُ الحُبُـــورْ
طَيْفُـــكِ الخافِي رَجَائِي
فِيــــهِ بُرئِي لَـــو يَزُورْ
رَحْمَـةُ اللهِ لَــدَى ذا الــ
ــقَبْــرِ مِنْ بَيْـنِ القُبُـــورْ
فِيـــــهِ مَنْجـاتي ورُكني
فِيـــهِ خَفْضِي والسُّـرورْ
لاعِجِي قَدْ هَـاجَ يَا أُمْــ
ــمَاهُ والخَفْــضُ رَقَــــدْ
مِنْ ضَبَابِ الـدَّمْعِ أَرْنُو
غَيْــرَ غَافٍ مِنْ كَــــمَدْ
نَجمَـــةً يَـــــا أُمُّ نَجمًـــا
قَـــدْ رَمَـقْـتُ الأنْجُمَــــا
غَاضَ مِنِّي البِشْرُ يَا أُمـْ
ـــمُ ولَــمْ يَجفُ السَّــــما

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى