بداية لن أخاف من شياطين الكاتب ( أحمد خالد مصطفي ) الذين ظلوا معه و هو يكتب منجزه العجيب ( انتيخريستوس ) و الذين هددوه بالقتل فور انتهائه كما أخبرنا .. ولا أدري هل ما كتبه يندرج تحت مسمي ( رواية ) كما تصدر الغلاف، و كيف؟
فلا هو التزم بقواعد كتابة الرواية و لا هو تركها .. بالنسبة لي ماكتبه الكاتب يعد كتابا .. لا هو رواية و لا هو مجموعة قصصية، و هذا ما اعترف به الكاتب نفسه، مدعيا أنه يكتب كما يحلو له دون التقيد بقوالب قديمة عفا عنها الزمن.
هذا و يري الناقد الجزائري محمد فلاق أن ( انتيخريستوس ) رواية خيالية لا تمت للواقع بصلة و هذا ما لم يفهمه القاريء العربي الذي اعتقد و لا يزال أن الرواية حقيقية، كما يري أنها مجموعة من الحكايات الخيالية ترتكز في الأساس علي نقاط ضعف المتلقي العربي المجهل.
*نأتي للكتاب الذي يقع في ثلاثة عشر فصلا غير مترابطين برباط حقيقي إلا خيال و أساطير الكاتب .. فمرة يحدثنا الكاتب عن قصة سيدنا ابراهيم و النمرود .. و يا ليته ما حدثنا إذ أتخم القصة بأساطير لا أدري من أين جاء بها؟
إذ يقول أن إبليس الذي علم النمرود السحر غضب عليه فأنبت علي كتفيه رأسان لثعبانين تلتهم كل رأس رأسا بشرية كل يوم حتي تهدأ ، و اليوم الذي لا تأكل فيه الرأسان سوف يتقاسمان رأسه، و لم تذكر كتب السير أن النمرود مات بمثل هذه الطريقة…….
و مرة يحدثنا عن قصة غزو إنجلترا للقارة الأمريكية غزوا وحشيا و نزعها من سكانها الأصليين الهنود الحمرمستشهدا بمذكرات جون سميث و آخرين …..
و مرة يلقي الضوء علي ( بروتوكولات حكماء صهيون ) و قصة هذه البروتوكولات و الصهيونية العالمية، ذاكرا أن أول ترجمة عربية للبروتوكولات تمت علي يد العقاد علما بأن الكاتب المصري محمد خليفة التونسي هو أول من ترجم البروتوكولات للغة العربية و قام العقاد بكتابة المقدمة لهذه الترجمة ……
و مرة يحدثنا عن ملكة فرنسا ( ماري انطوانيت ) و قصر فيرساي، و المؤامرة التي تحاك ضدها، و الثورات التي اجتاحت اوروبا و من كان وراءها …….
و مرة يحدثنا عن سيدنا سليمان (عليه السلام) و الجن ……
و مرة يعرج بنا علي قصة الفتنة التي حدثت بين الصحابة في خلافة سيدنا (علي بن أبي طالب) كرم الله وجهه و سيدنا معاوية……
و مرة عن دراكولا وأساطيره …….
إلي أن يصل بنا لقصة ( انتيخريستوس ) و الذي نعرفه جميعا باسم ( المسيح الدجال ) و الذي جاءنا الكاتب باسمه العبري كما ذكر، و لا أدري لماذا محاولته إثبات أن اللغة العبرية هي اللغة الأم لكل اللغات؟ تساؤل؟
و لما كان الرسول الكريم محمد – صلي الله عليه و سلم – قد ذكر لنا قصته باستفاضة في كتب الصحاح، لا أدري لماذا استقي الكاتب معلوماته من كتب أهل الكتاب، و ذكر لنا مغالطات مثل أن جبريل رئيس الملائكة قام بتربية المسيح الدجال و هو طفل و تعهده بالرعاية، وهو بذلك يربط بينه و بين قصة السامري في قصة نبي الله موسي – عليه السلام – وهذا خلط ليس له دليل حتي أن تعهد سيدنا جبريل للسامري بالرعاية و هو طفل لا يعرف له أصل في الشريعة، و ليس هناك دليل صحيح من كتاب أو سنة يدل علي أن السامري هو المسيح الدجال، و المعلوم أن سيدنا جبريل هو الوحي الأمين لجميع الأنبياء و الرسل.
– ثم عرج بنا في الفصل الأخير علي موضوع هام جدا يشغل الشباب و يؤرقهم ليل نهار، و هو هل مواقع التواصل (تويتر ) و ( الفيسبوك ) تتجسس عليهم؟ هل أجهزة الجوال التي يحملها كل واحد منا عبارة عن أجهزة تتبع تدل أجهزة المخابرات المختلفة عن أماكن تواجدنا؟
– و هكذا نري أن فصول الكتاب ليست ذات صلة من قريب أو من بعيد ببعضها البعض، و لكن كيف نجح الكاتب في ربطها برباط غير حقيقي برغم أنه أقنع القراء، حتي أنه تجاوز الطبعة السابعة والثلاثين و ما زال الإقبال علي الكتاب منقطع النظير؟
– أتفق مع الكاتب الجزائري محمد فلاق في أن سبب نجاح ( انتيخريستوس ) هو حالة الجهل و الكبت التي يعيشها المواطن العربي.
– في رأي الكاتب ذكي جدا و هو يضرب علي الوتر الحساس لجيل هو واحد منه – فالكاتب مواليد 1984- ألا و هو جيل الشباب ، و خاصة أنه جيل جل ثقافته الانترنت و لا يعرف عن التاريخ شيئا ، و استغل الكاتب جهل جيله و الأجيال القريبة منه بأحداث التاريخ و أراد أن يعطيه جرعة مشوهة منه متلاعبا بالألفاظ بأن كل ما جاء بالكتاب من أحداث مستوحي من أحداث حقيقية، و كل الشخصيات مأخوذة من شخصيات حقيقية.
– اعتمد الكاتب في سرده لغة أقل ماتوصف به بأنها مباشرة، تفتقر إلي العمق و التراكيب البلاغية.
– كما أدخل الكاتب ثقافته و قراءاته في كتب السحر الأسود و الأساطير لكي يضيف البهارات علي كتابه، و لا أدري لماذا؟ و ما الفائدة التي تعود علي القاري من مثل هذا؟
– أخيرا لعب الكاتب علي جهل كثير من الشباب في المرحلة الثانوية و الجامعية بالثقافة العامة و التاريخية من ناحية، و الفضول من ناحية أخري، حول مواضيع شتي جمعها بذكاء شديد في كتابه، و أدخل عليهم مزيدا من بهارات ( الماسونية ) و أهدافها و مدي تغلغلها في المجتمعات العربية و الإسلامية كالنار في الهشيم.
• أما عن القيمة الفنية للرواية:
يقول الناقد الجزائري فلاق أنه لم يجد أي جمالية أو تراكيب أنيقة أو ألفاظ فاخرة، بل هي كلمات مبتذلة.
و يضيف: يمكن أن تلاخظ ركاكة التعبير تتدافع سمجة، حتي تظن أن الكاتب ينتقي أبشع التعابير و أتعسها.
و عن الغاية الحقيقية لكتابة الرواية يقول الناقد: لم أجد غاية حقيقية من كتابة هذا النص، فهو هزيل جدا علي المستوي الفني.
هذا و يتساءل لماذا نجحت ( انتيخريستوس ) كل هذا النجاح؟
فيقول: تحب الشعوب الفاشلة أن تجد تبريرات خارقة و ماورائية لفشلها و انحدارها لذلك يحب العرب قصص المسيح الدجال، وهيمنة الماسونية فهم هكذا لا حول لهم و لا قوة، و هم مجرد ضحايا ينتظرون المهدي المنتظر، و نزول المسيح في آخر الزمان.
و يستكمل الكاتب الجزائري نقده و هجومه علي النص، و يصفه علي أنه عار في المدونة الأدبية العربية التي ضمنت أعمال عمالقة أمثال الجاحظ و المعري و طه حسين و نجيب محفوظ و غيرهم.
و لا أتفق معه في نقده اللاذع هذا، فالكاتب بذل جهدا كبيرا في البحث و التحري في كتب السير و التاريخ لا نستطيع تجاهله، و نجح في تسويق منجزه الأدبي حتي بلغ 37 طبعة، و أقنع جيلا كاملا من الشباب قد هجر القراءة منذ فترة طويلة و خاصة في عصر الانترنت أن يقرأ، و هذا في رأي أقوي إنجاز للكاتب أحمد خالد مصطفي.
كما أنه نجح في طرح العديد من القضايا التي تشغل الشباب و لكنه لكثرتها و تشعبها فشل في إيجاد حلول مقنعة لها.
و نأتي للسؤال الأهم الذي شغل كل من قرأ الرواية، من هو ( بوبي فرانكس ) و ليس ( بوبي فرانك ) بطل الرواية؟
و الحقيقة أنه شاب أمريكي يهودي من سكان شيكاغو اعتنق الماسونية و كان عمره 18 عاما، حذر العالم من ملك اليهود المنتظر و المؤامرة الكبري فقتلوه في عشرينيات القرن الماضي، و تمت إدانة قاتليه و سجنهما.
لقد استغل الكاتب هذه الجريمة ذات الدوافع الغامضة و جعل من الضحية ساحرا عظيما يوشك عي فضح أعظم مؤامرة عرفها العالم. لكن، ثمة مشكلة مهمة في هذه الحبكة كما يقول الناقد الدكتور محمد حمدان و أتفق معه في ذلك، أن الضحية لا يتجاوز عمره ال18 عاما فكيف وصل إلي أعلي رتب الماسونية!؟
كما أنه قتل في عشرينيات القرن الماضي فكيف يسرد للقاريء أحداثا تاريخية حدثت بعد وفاته بعشرات السنين؟
الكاتب المصري/
حسن أحمد مكرم
عضو مجلس إدارة نادي العرب للثقافة و اللغة و الأدب
في 11/6/2019