اعتمد هذا الموجز على ما ورد في سلسلة تاريخ الأدب الدانماركي،Dansk Litteratur Historie, إصدار دار النشر الدانماركية جولدندال Gyldendal
الباب الأول: البدايات ١١٠٠-١٦٠٠م.
الفصل ٣: عصر النهضة
يُمثّلُ القرنان السادس عشر و السابع عشر الفترة الفاصلة بين العصر الوسيط و العصر الحديث. ولم تأتِ النهضةُ كحركةٍ مفاجئةٍ، بل أتت بشكلٍ تدريجيٍّ بطيئ. و ارتبطت حركة الإصلاح بالحركة الإنسانية الشاملة و التي نشأت في إيطاليا في القرن الخامس عشر، و التي وصلت الدانمارك قبل حركة الإصلاح. و يُذكر أنّ فن طباعة الكُتب والكتب المطبوعة لعبت دورًا حاسمًا في الحركة الإنسانية، و كذلك بعدها في حركة الإصلاح، و دخل الدانمارك في حوالي بداية القرن السادس عشر. تميزت هذه الفترة بسيادة اللغتين اللاتينية و الدانماركية. و في القرن السابع عشر أخذت اللغة الدانماركية تطغى على اللاتينية. كان يتم اختيار اللغة حسب المادة العلمية و الجمهور. وبقيت اللاتينية لغة المُتعلمين و المثقفين لتلحق بعدها اللغة الدانماركية. و مع بدء الحركة الإصلاحية تولّدت قناعة أنه يجب أن يستطيعَ الجميعُ قراءة الكتب المقدّسة. و هكذا ازدهر تعليم القراءةبين الجماهير. و مع مجيئ القرن الثامن عشر كان أغلب الرّجالِ من أفراد الشعب قادرون على القراءة.
بدأت الحركة الإصلاحية في إيطاليا انطلاقًا من الحركةالإنسانية التي أخذت صفة العلمانية، و كانت الى مدىً كبير مرتبطة بالبورجوازية و الجهاز الإداري. استوحت الحركة أفكارها من النصوص الكلاسيكية، و أعادت إحياء العديد منها. كانت نصوص الحركة الإنسانية كلاسيكية الروح لكن أغلبها باللغة اللاتينية. تمّ تقليد اللغة و اُسلوب الكتابة الكلاسيكية نثرًا و شعرًا و اسلوبًا. مثّلَ التقليد الأدبي عملية ابداعية صقلت أعمال الأنتيك. لكن الأمر كان مختلفًا مع أوروبا الشمالية التي فضّلت تمجيد العصور الوسطى و تاريخها في الفترة، مما انعكس فيما كتبه المؤرخون عن الماضي الوطني للدانمارك و السويد. تم تصوير الدول الإسكندنافيةفي القرنين السادس عشرو السابع عشر على أنّ تاريخهاسحيق، لها حضارة متميزة لاتقلّ أهميةً عن دول الأنتيك (اليونان والرومان).
يُعتبرُ إراسموس روتردام Erasmus Rotterdam هو الشخصية الثقافية الأوروبية الأكثر بروزًا في العقود الثلاثة الأولى من القرن السادس عشر. و ذلك الفرع من الإنسانية الشمال أوروبية التي تُدعى بالإنسانية الدينية مرتبطة باسمه. بنى إراسموس مطالبه الإصلاحية الدينية لإحداث تغيير في الكنيسة، و التي برأيه حوت أشكالًا مختلفة من الفساد، و دعا للعودة إلى الكنيسة القديمة و الورَع و التُقى. و شكّكَ في مصالح و اهتمامات الكنيسة. كما طالب بمراجعة لغة النصوص الدينية للوصول الى المعنى الأصلي. كما أصدر كتاب العهد القديم باللغة اليونانية الأصلية، ثمّ كرّر طباعته عدة مرّات مع التنقيحات. تمتّع راسموس بمواهب كبيرة و شاملة. أصدر عدّة مُؤلفات. أمّا الكتاب الذي سبّب له شُهرةً كبيرةً هو أداجيا Adagia(١٥٠٠م). و هو تجميعٌ لعدد كبير من الأمثال.
كان لإراسموس تأثيرٌ كبيرٌ على بول هيلجي سن Poul Helgesen (١٤٨٥-١٥٣٥) الذي درس اللاهوت و أصبح عام ١٥١٩ رئيسًا للرهبان الكرمليين في كوبنهاجن. حاول أيضًا الإصلاح الكنسي، لكن تجاوزته حركة الإصلاحيين التي طالبت بالتغيير الجذري و الإنفصال عن الكنيسةالأُم.
عام ١٤٩٥م تمّ طباعة أول كتاب باللغة الدانماركية و يُدعى <مقالة القوافي> Rimkroeniken . قام بطباعته الهولندي المولد جوتفرد غيمان Gotfredsen af Ghemen ، و بعد أن استقرّ في كوبنهاجن، قام بطباعة العديد من الكُتب الأخرى. و أصبح من الواضح وجود جمهور مثقّف من القُرّاء حوالي عام ١٥٠٠م . و هكذا تمّ استدعاءعدة ناشري كتب من ألمانيا للعمل في الدانمارك، بينما كانت دور طباعة خارج الدانمارك تطبع الكُتب الدانماركية.
في النصف الأول من عام ١٥٢٠م دخلت حركة لوثرالى الدانمارك. تمثّلت في تغيير النظرةإلى دوْر الكنيسة و رجال الدين، و اكتسبت تأييدًا شعبيًا مُهمّا. ساد الإيمان الجديد في الدانمارك إثْر حدوث انقلاب في ١١-١٢ آب ١٥٣٦م. قاد الإنقلاب القائد المنتصر في الحرب الأهلية جريفن فايدة، كريستيان الثالث. و هكذا أصبح الحُكم بيد العِلمانيين تحت مشورة الملك المسيحي. و كان لهذا تأثيرٌ كبيرٌ على الحياة العامّة، و ساد الهدوء البلاد.
أول مجموعةأشعار إنسانية دانماركيةطُبعت في وتنبيرغ Wittenberg في بداية الخمسينات من القرن السادس عشر. و بعد عشر سنوات سارت الدانمارك في هذا الإتّجاه. و عندما حلّ عام١٥٧٠م كانت طباعةهذه الأشعار مزدهرةً في الدانمارك.
مع دخول الحركة الإصلاحية الدانمارك تحوّلت الأخيرةُ الى المركزية الشديدة. و بالنتيجة، تمّ فرض الرّقابة على الكُتب وطباعتها، و شملت أيضًاالكُتب المستوردة من الخارج. بعدَ الحركة الإصلاحية، سعت الحكومةُالدانماركيةُ لترجمة الإنجيل الى اللغة الدانماركية، و كان انجيل كريستيان الثالث(١٥٥٠م). مع ظهور الحُكم الإستبدادي عام ١٦٦٠م ، اتجهت الدانمارك أكثرصوب المركزية و تمّ تشديد الرّقابة على الكُتب. و مع ذلك، تضاعف إصدار الكُتب عدة مرّات خلال القرن السابع عشر. و شهد القرن بروز الأدب الدانماركي الحديث.