دراسات و مقالات

الفجر الزاحف – الشاعر الوزير العماني عبد الله بن محمد الطائي ” ١٩٢٤ – ١٩٧٣ م “

السعيد عبد العاطي مبارك

يا بلادي، ما اغتربنا ما نأينا
طالما أنا رجعنا فالتقينا

قد نسينا أمس مذ لحت لنا
ومن البهجة بالعود بكينا

أمس في ظلمائه اندس فلا
ظلما خضنا ولا ذلا رأينا

يا بلادي، هاك قلبي، انه
قلب حر ما ارتضى في العمر شينا

لك منا العهد أن نسعى إلى
مجدك السالف تجديدا وصونا

——
أن الشعر و الشعراء في سلطنة عمان له مدلول و مذاق خاص، حيث التلقائية و البساطة و جمال البيئة التي تمنح المبدع المقومات الفنية للنص الشعري، وسط خصائصه المتميزة التي تلازمه من خلال اللغة و الصورة و الموسيقي و التنوع في تجربته بكل ظلالها ، سواء كانت القصيدة نص ( فصحي أو شعبي نبطي ) ٠
نجد الشاعر له مقدرته الفائقة في تناوله عند عملية الابداع و الصياغة في صفاء يحدو به بين ربوع الوطن و عناصره التي يوظف سياقه من معطيات كل هذا الزخم في انطلاقة وروح تجديد هكذا ٠٠٠
و لم لا فعمان أرض الشعر و الفنون الشعبية و نرصد حالة الأدب و الفنون الجميلة عن كثب في معايشة طبيعية، و مدي المشاركة الفعالة لدور الرجل و المرأة معا٠
فنجد الشعر بفنونه و أغراضه و مراحل تجديدة و مذاهبه متوفره عند النوعين بلا تفرقة حيث حرية الرأي والتعبير ، فيأتي بناء العمل الفني متناسق متكامل جنبا الي جنب هكذا ٠٠٠

و نطالع شخصية الشاعر العماني هنا في تلك السطور التالية ، و الذي أبدع من خلالها في شتي فنون الأدب و السياسة فكان علما وفارسا في هذا الميدان ، و قد ترك لنا بصمات من خلال منجزاته المتنوعة شعرا ورواية و نقدا و أبحاثا ، حتي تقلد كرسي الوزارة شابا ، ثم رحيله في سن الشباب اليافع ٠٠ !٠

لم يبق عبد الله الطائي طويلاً في هذه الحياة ، فقد أخذه الموت وهو في ريعان شبابه وذروة عطائه، وقيمته الأدبية والوطنية لم تعرف جيداً وتعطى حق قدرها، إلا بعد وفاته بعقدين على الأقل، حينما قدم الأستاذ محسن بن حمود الكندي أول رسالة ماجستير في الأدب العربي بجامعة السلطان قابوس، تناول فيها تجربة الطائي الإبداعية ومسيرة حياته، بعدها انفتح ابنه المرحوم مازن بن عبد الله الطائي بالإشراف على طباع الأعمال المخطوطة له، وإعادة طبع أعماله المطبوعة في ستينيات القرن الماضي.

و للطائي 78 قصيدة وزعها على ثلاثة دواوين وهم “حادي القافلة” و”الفجر الزاحف” وأخيرًا “وداعًا أيها الليل الطويل”.

نشأته :
ولد الشاعر و الأديب الوزير العماني عبدالله بن محمد الطائي

بمدينة مسقط العمانية بتاريخ 15 يونيو عام ١٩٢٤ م ٠

وتلقى تعليمه في ( مسقط ) على يد السيد هلال بن محمد البوسعيدي، ويعتبر من الذين تخرجوا ضمن الدفعة الآولى من المدرسة السلطانية الثانية في مسقط. ثم ابتعث إلى العراق عام 1938 حيث أكمل تعليمه الثانوي هناك، و الجامعي ببغداد ، ثم عاد إلى عمان عام 1943م وعمل في المدرسة السعيدية بمسقط إلى عام 1949م.
تنقل ما بين باكستان والبحرين والكويت والإمارات حتى عاد إلى عمان وتقلد فيها منصب وزير الإعلام ووزير الشؤون الاجتماعية والعمل.
توفي في أبوظبي بتاريخ 18 يوليو 1973 ودفن في مسقط.

وشعره في غاية من الفصاحة وجزالة اللفظ ٠

إصدارته :

ملائكة الجبل الأخضر – رواية.

الفجر الزاحف – ديوان شعر

الأدب المعاصر في الخليج العربي.

وداعًا أيها الليل الطويل – ديوان شعر

الشراع الكبير – رواية.

دراسات عن الخليج العربي.

شعراء معاصرون.

مواقف.

تاريخ عمان السياسي.

المغلغل – مجموعة قصصية.

حادي القافلة- ديوان شعر.

أضف إلى دراسات عن الخليج العربي ومقالات في مختلف المجالات، وكتابات مسرحية نفذت كمسرحية جابر عثرات الكرام٠

مختارات من شعره :

يقول الشاعر الوزير العماني عبد الله الطائي من قصيدة «حنين»:
ذكرتك في ديار الهند إلفا ** عرفت بوصله سعد الزمان
فكان الذكر مجلبة إنقباض ** ومشعل جمرة بين الحواني
بعدت وكم نهلنا الحب صفوا ** بهي الجو مطواع العنان
و كف الدهر ترمينا بكيد ** وتزعجنا بأسقام الطعان
ولولا الحب لطف ما نلاقي ** لأهلكنا الذي كنا نعاني
هجرتك رغم مطلبي وقصدي ** وحقك إن بعدكم شجاني
فصبرا مفخر الأعراض صبرا ** فسوف يحين ميعاد التداني
فنشرب من غدير الصفو عيشا ** كريما لا يكدر بالهوان
كأن عهوده أنسام خير ** يضم عبيرها أرج الجنان
سنحيا في سماء الحب دهرا ** كأنا من هوانا فرقدان
= ==

ثم يقول الشاعر الوزير عبد الله بن محمد الطائي في قصيدة أخري بعنوان (
إلى اللؤلؤة السائلة على ساحل الخليج العربي ) :

سألت هل لك في سهرتنا هذي قصيدة

أنظر الليل و قد رصع بالأنجم جيدة

و أرمق الجو و قد لحن بالصمت نشيدة

أفما حرك في القلب أحاسيس جديدة ؟

قلت و الإغراء من حولي قد فاق حدوده

صوت حسناء بجنح الليل يستجلي وجوده

و حديث يجبر العازف أن يلقي عوده

ههنا تحلو الأماسي و يصب الكون جوده

مرحبا بالشعر تدعو لمعانيه خريده

صوتها ما زال للشاطئ في الليل نشيده

مرحبا بالبحر قد صاغ على الماء عقوده

و السما تمنحه الدر فيختار نضيده

و ضياء البدر أغناه بألوان جديدة

فبدا الشاطيء روضا نثر الأفق وروده

تسأليني عن قصيدي ؛ و هنا ألف قصيدة !

* * *

يا أماسي و يا جوهر أحلامي و فني

قد أنرت القلب من سحرك فالقلب يغني

و قبست الخمر من نجمك حتى فاض دني

و حفظت العمر من زهوك أن يمني بشين

أنت أكسير حياتي لخلايا الروح يغني

نهل الغواص منه فمضى للدر يجني

و على البحار من لألائه معنى التمني

و لدى العشاق منه أمل للحب يبني

يا حبيبي ههنا أعزف إنشادي و لحني

فلتسلني إن عندي من خليجي ألف لحن

و لتصلني فمن البدر شرابي ، فلتصلني

قهوتي من شعلة النجم بها يلتذ خدني

و نجاواي على الشاطيء سحر لك يدني

آه لو أنا اجتمعنا لقبست السعد مني

و بدونا بوصال في الليالي فرقدين

أبوظبي – 1970 م
ديوان : ” وداعا أيها الليل الطويل ” ٠
***

هذه كانت بعض الصفحات من الشعر العماني، حيث رسم الشاعر العماني الشيخ عبد الله بن محمد الطائي أهم معالمه الجميلة و المتداخلة في لوحاته الشعرية من منظور تجربة ذاتية اكتسبها من البيئة، و سفره و ترحاله و موقعه العملي ، فجاءت تنطق بكل الإجابات التي تدور بخلد القاريء الكريم ، حيث جمال اللغة،،و عمق الصورة ، و انسيابية في الإيقاع، و الخيال الواسع ، و الصدق المؤثر في تناول العمل الإبداعي الفني ، و من ثم كان للنص دلالاته المسيطرة علي بناء القصيدة في وحدة متماسكة العناصر و وضع خط سير لفكرة الموضع في عبقرية فلسفية دائما ٠
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشعر العربي أن شاء الله ٠

Image may contain: 1 person, smiling, closeup

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى