دراسات و مقالات

الشاعر و الكاتب المغربي د / محسن أخريف

السعيد عبد العاطي مبارك

صاعقة كهربائية تنهي حياة الشاعر و الكاتب المغربي د / محسن أخريف ” 1979 – 2019 م ” .
بين ترانيم الرحيل .. و مفترق الوجود … ترويض الأحلام الجامحة .. نتجول بين ظلال عناوين أنتاجه الذي يحمل دلالات فلسفية جدلية تجاه هذه الحياة كانت تنذر بالنهاية المأساوية في نبوءة هذا الانسان … !! .

لَيْسَ ثَمَّةَ ماَ أُخْفِيهِ
عَواَطِفِي بَدَوِيَّةٌ،
وَقَلْبِي قَرَوِيٌّ لاَ يَغْفِرُ الخِياَنَةَ؛
أَلَيْسَتِ الخِياَنَةُ لُعْبَةً حَضَرِيَّةً فِي أَغْلَبِ الأَحْياَنِ؟
لَيْسَ ثَمَّةَ ماَ أُخْفِيهِ.
حَرَّرْتُ قَلْبِي مِنَ الغَيْرَةِ
وَنِمْتُ فِي حُضْنِ اسْتِعارَةٍ
عاَمِرَةٍ بِالاحْتِمالاَتِ السَّعِيدَةِ.
وَاحْتَفلْتُ بِالرِّيحِ
الَّتِي تُرَفْرِفُ فِي سَمَاوَاتٍ لاَ أَمْلِكُهاَ.
لَمْ أُفَكِّرْ فِي عُمْرٍ لاَ يَكْفِي
حَتَّى لِنَمِيمةِ الجِيرانِ.
لَيْسَ ثَمَّةَ ماَ أُخْفِيهِ.
” من قصيدة : بيان شــــخصي ”
———
الناقد حسن المودن :
“خبر صاعق ويوم حزين … رحمك الله عزيزنا الشاعر الجميل محسن أخريف … تعازينا لأسرتك الصغيرة والكبيرة ” .
و أقول هنا مسجلا شهادتي للتاريخ أيضا :
” و لم لا فعناوين دواوينه تحمل نبوءة الرحيل المأساوي بين مسرح الكلمة علي أرض الواقع تحت خيمة الابداع في الليل المطير بعد حياة قصيرة حافلة بالنبوغ و العبقرية … !! .

هكذا يرحل الشعراء بعد متاعب مع الحياة بظروف خاصة عزلة سجن منفي حادث مرض عضال حياة مختلفة ، و كأنه يظل متمردا قلقا من تلك الحياة بعد أن منهحها الكلمة العذبة و الشجية بين تراب الوطن أو في غربة الذات و المنفي ، لكن شهداء الكلمة تخلدهم أعمالهم الصادقة و الراقية في آن واحد ، و لسنا ببعيد عن هؤلاء و ما أكثرهم عبر عصور الأدب العربي ، لكننا نتوقف مع شهيد الصعقة الكهربئية في يوم مطير مع الشاعر و الكاتب و القصاص المغربي الراحل ( محسن أخريف ) .
نشــــــــأته :
———–
و لد الشاعر و الكاتب و القاص المغربي محسن أخريف عام 1979 م ، في العرائش، المغرب .
و هو حاصل على الدكتوراه في الآداب.
رئيس رابطة أدباء الشمال بالمغرب .

توفي شاعرنا الدكتور محسن أخريف في يوم الأحد 21 أبريل 2019 بسبب صعقة كهربائية، بخيمة الندوات بمدينة تطوان، كانت له مداخلة بالخيمة المعدة لفعاليات عيد الكتاب في دورتها 21 بساحة الفدان بتطوان، إذ تعرض لصعقة كهربائية قوية فارق على إثرها الحياة. وإثر ذلك، عملت السلطات المحلية على إخلاء محيط الساحة، فيما فتحت عناصر الشرطة تحقيقا في الموضوع لمعرفة ظروف وملابسات الحادثة
صدرت له في الشعر:”ترانيم للرحيل” (2001)، “حصانان خاسران” (2009) (جائزة القناة الثانية الوطنية)، “ترويض الأحلام الجامحة” (2012)، وفي الرواية :”شراك الهوى” (2013) (جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب) ، وفي القصة:”حلم غفوة” (2017) (الرتبة الثالثة لجائزة الشارقة للإبداع العربي، عام 2017).
الجوائز :
——–
جائزة القناة الثانية الوطنية – (2009)
جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب – (2013)
الرتبة الثالثة لجائزة الشارقة للإبداع العربي، عام 2017.
حول شاعريه :
————-
و له تجليات اشراقية تبدو لنا من أول وهلة من خلال قصيدته التي بعنوان «اكتناهات» يحضر هذا النفس الصوفي، حيث يقتبس الشاعر فيه المعنى القرآني، ويوظف فيه أسلوبه ، و من ثم نلاحظ هذا التحول مع تجربته الذاتية الجديدة من خلال استشراف و استشفاف لذلك :

ما الذي يضيرك؟!
لك ما تشاء
من سماوات لا تدركها الأبصارُ
ترى ما لا نراه
ونرى غير ما تراهْ
كما يمضي مع شاعرنا أخريف مع التجربة الجديدة في أنفاس متفاوتة الطول، و بهذا تكون أقصر دفقة يحملها طي ديوان ، و الذي لا تتعدى بضع مفردات كما في «حلم» :
حلم الياسمين
هو أن يصير سقيفة بيت ” .

ثم يهدأ شاعرنا بعد تلك الزوبعة فتتلاقي أنفاسه مع مرايا الحياة في طهر ونقاء فيصيح مع معاهد الصبا و الشباب مجابها لك سلبيات الواقع ، كما في قصيدته “خَرَائِبُ العُشَّاقِ”:
بَيْنَ الرَّابِعَةِ وَنِصْفِ سَاعَةٍ،
وَالخاَمِسَةِ وَالنِّصْفِ؛
حِينَ تَخْفُتُ أَصْوَاتُ الغاَبَةِ.
تَخْرُجُ جَوْقَةُ العُشَّاقِ
مَثْنَى مَثْنَى.
يُشَّرِّعُ القَلْبُ أَبْوَابَهُ.
فِي السَّاعَةِ ذَاتِهاَ وَالمكاَنِ عَيْنِهِ
يَلْتَقِي عَاشِقٌ بِعَشِيقَتِهِ، يَرْسُماَنِ فِي أَذْهَانِهِماَ
خَارِطَةً لِمَساَءٍ حَمِيمٍ، بِسَماَءٍ تُعَمِّرُهاَ الأَسْراَرُ.

مختارات من شـــــــعره :
————————-
نقرأ لشاعرنا المغربي شهيد الصاعقة الكهربائية محسن أخريف في قصيدة بعنوان ( بيان شخصي) يترجم تراتيل الرحيل بداخلها مختصرا لنا مشهد الحياة فيقول :
لَيْسَ ثَمَّةَ ماَ أُخْفِيهِ
عَواَطِفِي بَدَوِيَّةٌ،
وَقَلْبِي قَرَوِيٌّ لاَ يَغْفِرُ الخِياَنَةَ؛
أَلَيْسَتِ الخِياَنَةُ لُعْبَةً حَضَرِيَّةً فِي أَغْلَبِ الأَحْياَنِ؟
لَيْسَ ثَمَّةَ ماَ أُخْفِيهِ.
حَرَّرْتُ قَلْبِي مِنَ الغَيْرَةِ
وَنِمْتُ فِي حُضْنِ اسْتِعارَةٍ
عاَمِرَةٍ بِالاحْتِمالاَتِ السَّعِيدَةِ.
وَاحْتَفلْتُ بِالرِّيحِ
الَّتِي تُرَفْرِفُ فِي سَمَاوَاتٍ لاَ أَمْلِكُهاَ.
لَمْ أُفَكِّرْ فِي عُمْرٍ لاَ يَكْفِي
حَتَّى لِنَمِيمةِ الجِيرانِ
لَيْسَ ثَمَّةَ ماَ أُخْفِيهِ
أمْضِي العُمْرَ
أَرْقُصُ عَلَى إِيقَاعٍ
لاَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ،
وَلِهَذاَ يَتَّهِمُنِي الجَمِيعُ بِالحُمْقِ
وَبِتَخَيُّلِ مُوسِيقَى أَرْقُصُ عَلَيْها.
رَقْصَةً لَيْسَتْ لِسِوَايَ.
أَرْقُصُ عَلَى هَدْيِ الرِّيحِ
وَهَدْيِ الأَصْواتِ الخَارِجَةِ مِنْ دَاخِلِي
دُونَ أَنْ يَسْمَعَهَا أَحَدٌ.
وَحِينَ أَتْعَبُ،
أَفْعَلُ كَمَا الحَمَام
أَصْعَدُ عاَلِياً
أَسْتَنْشِقُ هَواءً نَقِياًّ،
ثُمَّ أَنْزِلُ.
لَيْسَ لَدَيَّ ماَ أُخْفِيهِ؛
في حَدِيقَةِ العُمْرِ نَبَتَتْ أَزْهارٌ كَثِيرَةٌ
دُونَ أَنْ أَعْرِفَ اسْمَهَا.
نَبَتَتْ دُونَ قَصْدٍ،
وَدُونَ عِناَيَةٍ مِنِّي.
أَناَ البُسْتاِنِيُّ
الَّذِي اعْتَنَى بِحَدَائِقِ الآخَرِينَ،
وَتَرَكَ حَدِيقَتَهُ لأَزْهارَ ضاَلَّةٍ،
وَمُتَوَحِّشَةٍ،
افْتَرِسَتِ الأَزْهارَ البَرِيئَةَ وَالصَّغِيرَةَ.
لَيْسَ ثَمَّةَ ماَ أُخْفِيهِ.
لِهَذاَ سَأَلْقَى المَوْتَ فِي شاَرِعٍ فَسِيحٍ،
سَأَلْقاهُ بِلاَ أَسْرارٍ،
وَبِلاَ أَعْطَابٍ فِي النَّفْسِ،
تَحْتاجُ إِلَى إِصْلاَحٍ فِي الأَنْفاسِ الأَخِيرَةِ مِنَ الْعُمْرِ.
لَيْسَ لَدَيَّ ماَ أَخْجَلُ مِنْهُ،
طِوالَ العُمُرِ، وَأَناَ أَبْحَثُ عَنْ أَسْباَبِ الْفَرَح.
بَحَثْتُ عَنْهاَ كَماَ تَبْحَثُ النَّارُ
عَنْ قَشَّةٍ صَغِيرَةٍ حِينَ تَنْتَهِي مِنْ الْتِهَامِ الغاَبَةِ.
لَيْسَ لَدَيَّ ماَ أُخْفِيهِ.
قَلْبِي عَلِيلٍ،
وَلاَ يَقْوَى عَلَى التَّمَلُّقِ.
وَدِمائِي صاَفِيَةٌ
لاَ تَسْبَحُ بِهاَ كُرَيَّاتُ الكَذِبِ.
لِهَذاَ بَقِيتُ طِوالَ العُمُرِ
فِي الأَسْفَلِ،
أُمْسِكُ السُّلَّمَ كَيْ لاَ يَسْقُطَ بِمُرْتَقِيهِ.
فَقِيرٌ بِلاَ قَطِيعٍ،
أَمْضَيْتُ عُمْرِي أَهُشُّ بِعَصايَ
عَلَى غَيْمِ الشِّعْرِ،
أُجَمِّعُهُ، ثُمَّ أَنْثُرُهُ.
أَلِهَذاَ ياَ صاَحِبِي تَرَى،
أَنِّي أَسْتَحِقُّ حَياَةً أُخْرَى،
شَرْطَ أَنْ تَكُونَ مُعَدَّلَةً،
مُنَقَّحَةً مِنَ الأَلَمِ،
وَمَزِيدَةً مِنَ الْفَرَح.
هذه كانت كلمات خاطفة عن عالم شاعرنا المغربي شهيد الصعق الكهربائي بمدينة ” تطوان ” ، تحت ظلال خيمة الابداع الشعري في ليلة مطيرة ففاضت روحه تعانق رسالة الكلمة في سمو يعلن ملخص حياته التي ظل يعزف علي أوتاره ألحانه الثائرة المتمردة في تلقائية دائما .
مع الوعد بلقاء متجدد لتغريدة الشـــــعر العربي أن شاء الله .

ربما تحتوي الصورة على: ‏‏شخص واحد‏، و‏‏‏جلوس‏ و‏منظر داخلي‏‏‏‏

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى