((( حمالة الحطب ٠٠!! )))
رحيل الشاعر المصري جلال عابدين ” ١٩٣٤ / ٢٠٢٠ م “٠
و هو مؤسس ورائد جماعة فضفضة للآداب و الفنون ٠
——
أعترف بأنى :
جذرى مزروع فيك ..
وفى عينيك ..
وفى شفتيك ..
وفى العتبات
وبين ملابسك العادية
وقهوتك اليومية
أعترف بأننى .. مغروس فيك
” من رأسى حتى قدمى ”
لكن غصونى ..
تنمو فى خارطة أخرى
أتنفس فيها كافورا
أركب فرسا مغرورا
يلقينى قهرا ..
—–
مازال مسلسل رحيل معاشر الشعراء مستمرا يحصد كل يوم شاعرا مفردا في دوحة الشعر بجانب حجم المعاناة الروحانية و المادية هكذا ٠٠
و من ثم فقد رحل عن عالمنا سريعا الشاعر جلال عابدين في يوم الاربعاء الموافق ٥ فبراير ٢٠٢٠ م ، و ذلك عن عمر 86 عاما
بعد صراع مع المرض ، وقد أعطي للثقافة و للفنون الجميلة سنوات طوال ابداع جدير بالتوقف و التأمل نحو مسيرته الذاخرة بالكثير و الكثير ٠٠
يقول شاعرنا الراحل جلال عابدين :
” وأعانق فى ساحتها دوماّ ..
خيلا عربيا ..
نخلا سينائيا ..
وشجيرة قطن مصرية
اجمع من أيكتها ..
بلح الشام ..
وموز المغرب ..
وثمار التين الحلبية
اتشمم فى حضرتها ..
رائحة البن اليمنية
تصبح رغم العرب جميعا ..
جامعة عربية
ياواحدتى ..
اعترف بأنى :
عشب همجى ..
ديك هندى ..
قط ليلى ..
اتقافز فى الشرفات
اتسكع فى الحارات
وأنام قريرا فى الطرقات
وأصاحب قطط الليل ..
ويستهوينى
ان أزرع رأسى ..
بين كفوف الغجريات
لكنى .. أرجع مقهورا
لااركب فرسا مغرورا٠٠ “٠
* نشأته:
=====
ولد الشاعر و الكاتب المصري جلال عابدين ، في 3 سبتمبر 1934 م بمدينة شبين القناطر قليوبية، جمهورية مصر العربية ٠
حصل على دبلوم الدراسات الاستراتيجية عام ١٩٧٠، وليسانس آباب قسم تاريخ عام ١٩٧٤، عمل من قبل رئيسا لقسم التدريب بمعهد العلوم الاستراتيجية من عام 1970 حتى عام 1975، ومستشارا لرئيس جامعة حلوان للثقافة والفنون من عام 1995 إلى 2000.
كتب أكثر من مسلسل وبرنامج إذاعي، منها المسلسل الإذاعى “الوثيقة رقم ١” بإذاعة الشرق الأوسط عن الجاسوسية، والذى قام ببطولته الفنان القدير يحى الفخراني، كما قام بكتابة عدة سهرات تليفزيونية منها ” خريف بلا أحزان، غدا يوم جديد، الديك الفصيح، مسلسل جزيرة الأحلام للأطفال”، فضلا عن كتابة برنامج شعرى بعنوان ” فنجان من قهوة مصر “، والذى قدمته القناة الثانية لمدة ثلاث سنوات، والبرنامج الصباح الشعرى اليومى “على جناح الصباح “الذى قدمته إذاعة البرنامج العام لمدة سبع سنوات.
كما ألف جلال عابدين خلال مسيرته الإبداعية دواوين شعرية صادرة عن الهيئة العامة للكتاب وجامعة حلوان، وتشمل: من أجل عينيك، رسالة إلى عاشق الموال، الورد الطيب تاه، حمالة الحطب، فنجان قهوة من مصر، إما الضحك وإما الموت، ماذا جرى العاشقين، رسالة إلى أبى، كما ألف رواية ” عطشان يا صبايا “، وقام تأليف النشيد الوطنى للشباب بسلطنة عمان، وتأليف أوبريت (تحيا مصر) الذى يضم دراما شعرية وغنائية عام 2015.
حصل جلال عابدين من قبل على عدة جوائز هى: جائزة جامعة حلوان للتفوق الثقافى عام 1987، جائزة السلطان قابوس فى للتفوق الشعرى عام 1988، جائزة الشاعر محمد حسن فقى والتى تمنحها مؤسسة يمانى الثقافية فى الشعر عن ديوان “الولد الطيب تاه” عام 2000، الجائزة الأولى لجمعية دار للأدباء فى أبريل 2011عن قصيدة “دو الوجع الباسم”، الحصول على جائزة القصة القصيرة التى نظمتها إدارة الشئون المعنوية بالقوات المسلحة حول “سيناء أرض البطولات ” عن قصة ” سلم إلى السماء” فى أكتوبر 2015.
* من شعره :
======
يقول الشاعر الراحل جلال عابدين في قصيدته الرائعة بعنوان ( امرأة .. من وحى جنونى ) :
ياواحدتى ..
أعترف الآن بأنى :
عُشب همجى
ديك هندى
قط ليلى ..
أتقافز فى الشرفات
أتسكع فى الحارات
وأنام قريرا فى الطرقات
وأصاحب قطط الليل ..
ويستهوينى ..
ان أزرع رأسى
بين كفوف الفجريات
ياواحدتى
أعترف بأنى :
جذرى مزروع فيك ..
وفى عينيك ..
وفى شفتيك ..
وفى العتبات
وبين ملابسك العادية
وقهوتك اليومية
أعترف بأننى .. مغروس فيك
” من رأسى حتى قدمى ”
لكن غصونى ..
تنمو فى خارطة أخرى
أتنفس فيها كافورا
أركب فرسا مغرورا
يلقينى قهرا ..
فوق عيون البدويات
عند بحور الجنيات
لكنى أرجع مقهورا
وأطلق زمن الحوريات
فلقد أدمنتك سيدتى
وعشقت سذاجة عينيك
وألفت بساطة شفتيك
والشال المهمل فى كتفيك
والشاى البارد فى كفيك
أدمنت غباءك سيدتى ..
ودعاءك لى :
بالستر وطول العمر ..
على العتبات
وحين تطل نجوم الليل ..
أتحول شيئا أسطوريا
أتبدل جنيا ..
أبحث عن لغة أخرى
غير اللغة اليومية
أتصفح وجه امرأة أخرى ..
ليست نمطية
تتضوع عطرا مجنونا ..
تصهل كخيول برية
لاأدرى نوع صناعتها ..
ولا أسلوب صياغتها
لحروف اللغة العربية
تحترق يداى إذا لمست
يوما بشرتها النارية
تفهمنى من غير كلام
تعشقنى من غير روية
أتجاوز معها ولاأخشى
كل الأشياء الشكلية
انى أحتاج إلى امرأة ..
ليست ” نكدية ”
تصبح راقصة من أجلى
تصبح راهبة فى الليل
تصبح عابدة فى الفجر
واصلى خلف إمامتها ..
كل الصلوات الشرعية
إنى أحتاج إلى امرأة ..
ليست عادية
تتماوج زرفة ..
كل بحار العالم ..
فى عينيها
يتمازج طعم الشهد ..
مع الكافور ..
على شفتيها
ترتاح طيور الحب ..
على كتفيها
ينبع نهر النيل ودجلة ..
من نهديها
اكتب تاريخ العشق ..
على خديها
ألثم كوليدٍ مبهور
مسرى قدميها ..
تهتز الدنيا إن دقت ..
يوما كعبيها
ويميل الهرم إذا كشفت ..
يوما ساقيها
وحين يداهمنى الحزن ..
أجد لديها ..
دنيا أشهى ..
زمنا أبهى ..
أشرب خمرا أسطوريا
من كفيها
وتحاصرنى بكتائبها ..
عند الغضب ..
وحين اثور عليها
إنى أحتاج إلى امرأة
من صنع جنوبى
من وحى فنونى
إنى أحتاج إلى امرأة ..
ليست رجعية
تكسر قانون العصر ..
وتؤمن بالثورية
امرأة لا تقبل أبدا ..
بطقوس العشق العادية
تمطرنى إن شاءت توتا
تزرعنى ذرة شامية
أتحول معها صعلوكا
وتصير بكفى جنية
تخترع دليلا للعشق
اتعلم منها الوطنية
تعصرنى فأصير شرابا
يشفى أوجاع البشرية
اكتشف بساحتها أنى ..
أول من دك المرتفعات
ومحا الأسوار الصينية
وأعانق فى ساحتها دوماّ ..
خيلا عربيا ..
نخلا سينائيا ..
وشجيرة قطن مصرية
اجمع من أيكتها ..
بلح الشام ..
وموز المغرب ..
وثمار التين الحلبية
اتشمم فى حضرتها ..
رائحة البن اليمنية
تصبح رغم العرب جميعا ..
جامعة عربية
ياواحدتى ..
اعترف بأنى :
عشب همجى ..
ديك هندى ..
قط ليلى ..
اتقافز فى الشرفات
اتسكع فى الحارات
وأنام قريرا فى الطرقات
وأصاحب قطط الليل ..
ويستهوينى
ان أزرع رأسى ..
بين كفوف الغجريات
لكنى .. أرجع مقهورا
لااركب فرسا مغرورا
واطلق زمن الجنيات
فلقد ادمنتك سيدتى
وعشقت سذاجة عينيك
وألفت بساطة شفتيك
والشال المهمل فى كتفيك
والشاى البارد فى كفيك
أدمنت غباءك سيدتى ..
ودعاءك لى :
بالستر وطول العمر ..
على العتبات ٠
***
و نتوقف مع ملحمة جلال عابدين تحت عنوان ” عام سعيد يا أبي ” :
عام سعيد يا ابي فالعيد جاء
كل الطيور تعانقت فوق السماء
وكان شمسا غير تلك الشمس
تشرق بالضياء
وتلهت الاطفال بالحلوى وبالحلل الجديده
لكن جرحا غائرا بالحلق يغتال الصفاء
فالعيد مر
واللعب مر
والضحك مر
و الحلو مر
ومرارة الاشياء صارت
تلحڨ الإنسان حتى في الغناء
حتى اناشيد الطفولة أصبحت
مثل البكاء
فكيف نهنا هاهنا
وكيف نلعب هاهنا
وكيف نفرح هاهنا
والحادثات تدوسنا
تغتال فرحتنا جميعا
وتسد عن أهل لنا
الشمس والحلم النبيل
وتستبيح الكبرياء
الطفل قبل الشيخ قد دفع الثمن
وكم استباحوا حرمة الانثى
بلا أدنى حياء
وفي الربيع أتى لهم فصل الشتاء
الكل صار فريسة للغزو حتى الانبياء
عام سعيد يا ابي فالعيد جاء
***
النار تاكلنا جميعا
والعار يلحقنا جميعا
والكل يحمل راية الإسلام والإنسان
والكل يعبد دائما رب السماء
فكيف نسمح للصغير
بان يموت بيتمه
وكيف نسمح للكبير بأن ينوء بجرحه
وكيف نسمح للصبايا
أن تهان بلا حياء
ماذا فعلنا يارفاق لاجلهم
غير التباكي بالمساجد
وطنين اجراس الكنائس
ماذا فعلنا يارفاق لاجلهم
غير التباكي والتوسل والدعاء
الضحك مر يا ابي هذا المساء
عام سعيد يا ابي فالعيد جاء
***
النار تاكلنا جميعا
والعار يلحقنا جميعا
ماذا نقول إذا أتى يوم الحساب ؟
هل نغسل الأيدي من القتلى
من الثكلى ومصاصي الدماء ؟
ماذا نقول إذا أتى يوم الحساب ؟
هل ندعي انا عمينا أو خرسنا؟
هل ندعي انا دسسنا انفنا تحت التراب ؟
مهما ادعينا سوف تاكلنا الذئاب
وشرازم الأعداء سوف تطولنا
وسنابك الغرباء سوف تدوسنا
ولسوف نبكي
يوم لا ينفع في القهر البكاء
الحلو مر يا ابي هذا المساء
عام سعيد يا ابي فالعيد جاء
***
في كل ركن من عروبتنا سئمنا
حينما دقت نواقيس التنطع
وادعى كل الرعاة بأنهم
من ذلك الموت المدبر ابرياء
كم يدعون بأن جنكيز التتار هو الذي
ذبح الطفولة والكهولة والأنوثة
دون خوف أو حياء
في كل ركن من عروبتنا الجريحة
اخرسوا صوت السكينة والصفاء
الخبز مر. يا ابي هذا المساء
عام سعيد يا ابي فالعيد جاء
***
واه ياوطن العروبة حينما
ألقى بك الوسطاء والنشطاء والعملاء قهرا
في قفص الخديعة والوقيعة والدماء
باعوا عروبتنا بنصف فطيرة مسمومة
فالقدس ضاعت حينما ألقوا بها
عريانة وغنيمة للاشقياء
بغداد مازالت تقاوم موتها
حينما القى عليها
الأهل والابناء ماء النار
دونما خوف عليها
او محبة وانتماء
ماهمهم ابدا نزيف وربدها
وجنى عليها الأهل قبل الاصدقاء
وهذه بيروت قد حفروا لها
قبرا لتدفن حية
من غير خوف أو حياء
وهاهو اليمن السعيد بدأ تعيسا
كل القبائل قد تآمرت عليه
كي يموت غيلة
من كل غربان القبيلة
من غير صوت او نحيب أو عزاء
وهذه ليبيا تقاتل كي تعيش عزيز ة
من غير ضيم وانكسار وانحناء
ودمشق باعت قرطها
حتى تعيش كربمة
في وجه من قبض الثمن
من الغزاة الطامعين
بأن يدوسوا أرضها
ويدنسوا اعراضها
وان تباع رخيصة
لكل من دفع الثمن
من الغزاة أو الوشاة
الطامعين بأن تظل رهينة
حتى تباع كسلعة مغشوشة
بكل أسواق النخاسة والبغاء
هذي عروبتنا تقاوم موتها
بصدور كل الطيبين المخلصين الشرفاء
فادعو لها ياخوتي
حتى تعش عزيزة رغم إلعدا
ورغم عشاق الخديعة والفناء
العد مر يا ابي هذا المساء
عام سعيد يا ابي فالعيد جاء ٠
***
هذه كانت قراءة سريعة في عالم الشعري الراحل جلال عابدين الذي رحل منذ بضعة أيام، بعد رحلة عطاء أكثر من ستين عاما ظل يعزف علي أوتار القصيد حتي ترك لنا رصيدا من الشعر المعاصر ينم عن ثقافة عميقة تبع من جمال اللغة و الموهبة والإبداع الذي عكس مرايا الفضفة مع الآداب و الفنون في تلقائية تجمع عناصر الكلمة كي تكون رسالة للإنسانية دائما