ها أنت تحمل هم امرؤ القيس و خمرة الحب ُتلهيك عن ثأر أب سجيته فى قلب لحد، وضعت خده على صفحة الرمل، لم تجد من يرحم علتك، يشق – قبره – معك فى سفح جبل .. تركوك تنبش بيديك العليلة، روحك الكسيرة لُتكرم مثواه .
فكوا جبيرة الجبس عن شقك الأيمن من أعلى، أنتزع الطبيب سلك خاط به فروة رأسك بعد أن إلتأم الجرح .. أرسلت عيون النساء اللائى -أحطن كغرابيب سود بسريرك – سؤالا متى تفتك بقاتل الأب الواقع تحت بطش قبضتك ؟
يرقد – بلا حول – فى غرفة مواجهة لك، يئن من سكين حاول به أبوك أن يذبحه, سمى وكبر عليه, ارتعشت سده عند قطع العروق، رسم بنصله خطوطا غائرة فى عنقه، فى لحظة اصطكاك الفئوس على أم رأس أبيك قبل أن يسقطوه، يعزقوه كأنه نبتة شيطانية ُتجتث من حقل سلبوه من جدك فى جلسة عرفية وصمته بالغمز بعين عوراء لشمطاء من نسائهم لم تجد من يأويها تحت ظله .
حصد منجل غضبهم عمر جدك زاعمين أنه تخطى الحد وروى بستان الشمطاء .. نصبوه كالخيال فى جرنهم أياما، مرفوعا على خشبة تحول لونها للأحمر القانى .. رد أبوك بطلقة يتيمة أخرست صراخ طير يقال له الهامة يقف على الدم النازف من القتيل ينادى
: اسقونى .. اسقونى .
تتناول حبات فيها شفاءك من كف ممرضة, تسترد صحتك بإمعان النظر لوجهها المائل للسمرة، أناملك تتحسس يد تحمل كوب ماء إليك.. يسرى تيار من النشوة فى دمك، تركب صهوة المقامرة تقرص خدها .. تحمر وجنتيها .. ترميك بنظرة تأنيب، تنعقد جبهتها بالغيظ ، تتقد بخجل العذارى .. يجف الريق من حلقك ، تسعل .. تنفرج شفتيها عن أبتسامة ماكرة حمالة أوجه تقبل كل تأويل .. دعوة، تحذير، ُتفقدك البوصلة ترشدك لأى سبيل معها فيه تسير .
يطاردك –فى اليقطة – رأس أبيك الذى فصلوه عن جسده، ألقوه لصبيانهم، حملوه ركضوا فرحين به وأنت المضروب بالشوم على لوح كتفك تميل بشقك على جرحك، تصرخ فيهم .. تتوكأ على عجزك، تتبعهم حتى دورهم، وقعت فى حماهم ولو أرادوا ألحقوك بالوالد، سقوك بضربة جزاء كأس المنية بيد إنهم تركوا لك الرأس ملطخا بالوحل .. مسحت عنه الأذى بعرقك والدموع .. وضعته – مكرما – فى حجر جلبابك، جذبت طرفة، حشوته فى فمك .. أطبقت عليه أسنانك .
سرت تتوكأ مستندا على الجدران، طابور المتفرجين من خلفك، عيونهم كاميرات تصوير توثق جمعك للحمك .. رددت الرأس لحضن الجسد, حمل النعش على أعناقهم من أشفقوا عليك, أرادوا اقتسام اجر تشييع الجنازة معك .
قررت أن تمنع سقوط طلع شجرة توشك أن ُينتزع جذرها من حديقة العائلات بالسجل المدنى .. قطيع الثكالى حول السرير يقرضون السكون بهمهمات لا تفسر لها معنى .. عينيك زائغتان تتبعان تنهدات السقف المطلى بلون الاستسلام الأبيض
ألقوا فرخهم الكسير بين أسنانك، طمعوا أن يصيدوا النسر بطعم فاسد، لم تعد معادلة الرأس برأس هدفك، زهدت فيها، لن تقبل بديلا عن أبيك عصفور شراقى .. مازال فى الزمن بقية وفى الأمر متسع لتفتل حبل انتقامك .. لن تمنح الفخ بغيته، ستضيع فرصتهم – حتى حين فى أن تصير مدينا لهم .
لم تقصر فى حق أبيك حيا .. أطلقت بعد خروجه من السجن إشاعة، طاف دخانها بالقرية عن هروب أبيك إلى ليبيا و هو رهين غرفة لا تزورها الشمس .. امتطاه المرض، ضاعف وهن جسده، أخرجته مجبرا لعيادة طبيب .. عند العودة شموا رائحته.. حاصروكما .. ضباعا تفترس حملين، تحول كتفك والذراع – أثناء صدك عن أبيك – لرجل بنطال ليس له قوام .. تنحيت عن المعركة فاقد الوعى .
تُشعل روحك بالوجد وقع خطواتها على البلاط ، يرتجف قلبك بنبض عنيف مع اهتزاز أردافها .. تشرب من نهر عينيها كأس الشجاعة .. تباغتها بالتفاف أصابع كفك على معصمها، يهش خجلها – من فعلك – حمامة تعشش على ثغر أمك فتنظر مشدوهة ببلاهة .. ترفع صوتك قبل أن تهوى- ملاك الرحمة – بيدها الحرة تهتك ستر خدك:” تتجوزينى ”
يضوع المسك من فمها .. ينتفض جسد الغزال و هى تفر من الوعل، يبقى صوتها أغنية بمقطع وحيد يتردد فى قوقعة أذنك: نتكلم بالليل .
تنهال نعال الثكالى، تصقل ظهر الرجل المرتجى .. تختم أمك فاصل الغيظ من فعلك ببصقة تستقر على أرنبة انفك .
تعلم النسوة أن أبيك ليس أبو زيد الهلالى أو الرجل الذى تنتظره الحياة فاردة ذراعيها، تنفث ريحا – طيبة – بمركب حياته، يصل لمرفأ أمله .
قبل أن تقع الواقعة صارحك الطبيب بحال أبيك عناكب السرطان تمكنت من الكبد، أضحى طلوع الروح مسألة وقت، سينزل فيه القضاء ثقيل الوطأة على من يحيطون به، عاجلوه بقطف ثمره قلبه، استراح من ألم ينهش أحشائه بأنياب كلب مسعور .. ترد على نفسك لكنك لابد أن تحملهم وزر قتله .
تقص النساء حبل الوصل، تنزفن الدمع جمرا على مصيبة نابت فتاهم، أغرقه سحر أسود ببحر الهوى ينظرون بقلوب منفطرة للممرضة تتأبط ذراعك .. تقبض يديك على تذكرتا سفر لوجه بحرى فى أول رحلة بقطار الغربة .
سيضرب القلق بجبروته ليالى من قبضوا روح أبيك، أصبحوا يترقبون طلقات ردة فعلك ، ينتظرون لحظة تحط عليهم، تقتضى – منهم- ثأرك، تدرك أنهم لن يضعوا أياديهم على خدودهم حتى يحط عليهم نسر انتقامك، يمزق ساحتهم بمخالبه، يقطع رممهم بمنقاره .. سيضربون الودع، يستخبرون الرمل، يسألون عنك طوب الأرض، يرسلون للمدن العيون ترصدك وأنت تنسج فى غيبتك لهم أكفان المكائد ُتذهب بها راحة بالهم .