شعر

الساعة الثانية عشر ..

محمد فخري جلبي

الساعة الآن في المنفى الثانية عشر ظهرًا

وقلّما ننظر إلى الساعة البالية

فالأوقات كما الأحاسيس كما الشفاه الناعسة تتشابه بشكل يمنعك حتى من الوصف الرديء

أجلس وحيدا أتأمل اللاّشئ الفريد القادم مع الضوء المتسربل داخل غرفتي دون علم السلطات المحلية !!

فنحن الوافدون الجدد متهمون بالإرهاب حتى تثبت التهمة

ومتهمون بالجشع المادي والشبق الجنسي والشره الدموي حتى يقبض علينا

ومتهمون بالكآبة والرتابة والعفونة داخل أقفاصنا الزجاجية الجميلة !!

في المنفى نتسابق إلى أكشاك الخبز والملل والسجائر والرسائل الغير ممهورة باسم المرسل

فلا أحد بقي هناك في الوطن ينتظرنا بفارغ الصبر والأمل

فجميعنا جئنا إلى هنا

وبقي الوطن يصارع موته الحتمي

غدونا أشباح وُضع في أعناقها قيود معدنية ترسل إشارات عن مكان تواجدنا

واقعنا أكثر رعبًا من غزال كسرت رجليه في غابة امتلأت بالوحوش الضارية

أحلامنا كالأغذية المجمدة عديمة الطعم والرائحة

كلماتنا تتنفس عتبًا وكرهًا للأعراب الصامتين

وللسماء العابسة

تتصاعد رغبتنا بالرحيل إلى العالم الآخر ولا نحمل تصاريح العبور

فمازلنا نقوى على الحزن بشكل أعنف

ومازلنا نزور محطات الفجيعة بلا فائدة

فنحن من قيل بحقهم

سقط صوت السقوط مدويا علينا

ونجونا من الموت ويا ليتنا ما نجونا من تلك الكارثة !!

الساعة الآن في المنفى الثانية عشر وخمس دقائق

لستُ سعيدًا أو حزينًا

لست أملك أوقاتي بل إنها تملكني عبدًا حبشيًا مدى الحياة

ليس لعطرك اليوم أظافر تخرمش لحمي لنبدأ مهرجان التزاوج الوحشي

وليس لمخاض عودتنا ولادة قيصرية

في المنفى ..

الأرائك الشاغرة

وفناجين القهوة حائرة

والنساء يتلذذن بسماع تأوهاتنا قبل خلع ملابسهن الخفيفة

فنحن الآن كاللغط بالشعر العربي

بلا وزن ولا معنى …

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى