الرمزية حركة في الأدب والفن ظهرت في فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر وكان رد فعل للمدرستين الواقعية والطبعانية وهدفت إلى التعبير عن سر الوجود عبر الرمز ويعتبر الكثير من مؤرخي الادب مالارميه وليس مورياس مؤسس الرمزية ويعتبر ألبير سامان وبول فيرلين وبول فاليري من أبرز أركانها.
الرمز لغةً كما ورد في معجم الوسيط الإيماء والإشارة والعلامة وفي علم البيان : الكناية الخفيّة وجمع رموز والطريقة الرمزية مذهب في الأدب والفن ظهر في الشعر أولاً بالتعبير عن المعاني بالرموز و الإيحاء ليدع للمتذوق نصيباً في تكميل الصورة بما يضيف إليه من توليد خياله.
وفي نظر بعض الأدباء ان هذه الحالات لا تستطيع اللغة تمثيلها فالرمزية لاتستخدم للتعبير عن الحالات الواضحة حيث يستخدم الرمز والايماء كوسيلة وأداة لذلك وعادة يكون الرمز بهذا المعنى شيئاً ملموساً يحل محل المجرد مثال الرجل المهموم كرمز الشتاء.
الرمز كان مألوفاً منذ أقدم العصور غير أنه أصبح ذات قيمة فنية وعفوية داخله الرموز التاريخية والأسطورة والرمزية لها أصول فلسفية قديمة غير إنها لم تتضح إلا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وتعد الرمزية الأساس المؤثر في مذهب الحداثة الفكري ولم يعرف مصطلح الرمزية إلا في عام ١٨٨٥ م وذلك في مقالة الفرنسي جان موريس .
فالرمزية الفنية الجديدة تختلف عن الرمزية التي كانت معروفة في العصور السابقة فالرمز أداة تعبير عالمية قديمة وكان الناس ولا يزالون يعبرون بالنار عن الإحتراق والطير عن السرعة والريح عن القوة والبحر عن الاتساع وبالراية عن سيادة الأمة.
وإني أرى بأن الرمز كان يستعمل قبل قيام الفرنسي جان موريس بتوثيقة حيث كان سائداً في بلاد سومر منذ الألف الرابع قبل الميلاد وذلك في الطور الرمزي والذي يعني استنباط معانٍ جانبيه من صورة الأصل كأستخدام العلاقة الدالة على الشمس للتعبير عن معان مشتقة منها مثلاً لامع، ساطع، مشرق وإن التأثير المثيولوجي للطور الرمزي كان له أثر واضح في في مجالات الأدب والفن ومنها محل البحث القصة القصيرة جدا التي ترتكز على الإيحاء والتلميح والتكثيف ما يجعلها كتابة رامزة بامتياز تُسْعف صاحبها في التعبير عما يخالجه دون مباشرة ممنوعة أو استغراق فاضح فيركب جناح الرمزية ويفتح أمام قارئه باب التأويلات .
توظيف الرمز في القصة القصيرة جداً سمة يتّصف بها الكتاب على مستويات متفاوتة، من حيث الرمز البسيط إلى الرمز العميق إلى الرمز الأعمق.. وهكذا. ومع أن الرمز أو الترميز في الأدب عموماً سمة أسلوبية وأحد عناصر النص الأدبي الجوهري منذ القدم إلا أننا نراه قد تنوّع وتعمّق وسيطر على لغة القصيدة الحديثة وتراكيبها وصورها وبنياتها المختلفة، والرمز بشتى صوره المجازيّة والبلاغيّة والإيحائيّة تعميق للمعنى، ومصدر للإدهاش والتّأثير، وإذا وظّف الرمز بشكل جماليّ منسجم، واتساق فكري دقيق مقنع، فإنّه يسهم في الارتقاء بعمق دلالاتها وشدة تأثيرها في المتلقي، واللجوء إلى التّرميز جاء لأسباب متعدّدة منها الضغوط الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة أو دلالة أبعاد نفسيّة خاصة في واقع تجربة الكتّاب الشّعوريّة. وتختلف الرموز في القصة القصيرة جداً منها الطّبيعيّة، والتاريخيّة والأسطورية والفانتازيّة، والمكانيّة والسيمائيّة. والغالب أن يكون النص رمزيًّا غير مباشر لأتاحة الحرية عند المتلقي في التّصور والتّأويل. فالتّرميز يمتلك قدرة كبيرة على الإيحاء الذي يشير إلى معنى آخر وموضوع آخر وعوالم لا حدود لها من المعاني، وتتحوّل الكلمة إلى رمز حسن تعني أكثر من معناها الواضح المباشر إذ إن لها جانبًا باطنيًّا أوسع، فلا يحدّد بدقة ولا يفسّر تفسيرًا تمامّا بحيث يأمل المرء تحديده أو شرحه كما هو،
خصوصا القصة القصيرة جدا، التي ترتكز على الإيحاء والتلميح والتكثيف ما يجعلها كتابة رامزة بامتياز، تُسْعِف صاحبها في التعبير عما يخالجه دون مباشرة ممنوعة، أو استغراق فاضح، فيركب جناح الرمزية ويفتح أمام قارئه باب التأويلات مشرعا.
لعلّ جيلَ المبدعين المعاصرين أشدُّ وعيّاً وأكثرُ اهتماماً بقضايا عصره؛ لما تحمله من صفة مدمرة للذات وتثيره من صداميّة مع الواقع بكلّ متغيراته، إذ لا ننسى أن القصة القصيرة جدا العربية الحديثة ولدت في بحر السياسة ممّا فرض عليها محاولة السباحة فيه بحثاً عن النجاة من عواصف الواقع المتتالية.
وبذلك تتنوع الرموز في القصص القصيرة جدا لكُتّابها إلى رموز فنية ولغوية وتاريخية وصوفية واسطورية وسيميائية بحيث جعلوا من المتلقي المحترف المتمرس بأن يحس بالإثارة واللذة وهو يصطاد المخفي من النص الأدبي وذلك من خلال استخدام الرموز التي من شأنها أن تحرر لغته من سطوة المعنى وبذلك يلجأ إلى استخدام كلمة عبارة عن أداة أو حجارة أو أي شيء جماد ويريد به شيء آخر وإن ذلك واضح بصورة جلية في نصوص العديد من الأدباء ومنها:
١- نص بعنوان “اصرار ” للكاتب محمد أحمد دمشقي من سوريا: الطائرة التي بقيت ترفرف في السماء، ما زال خيطها متدل، بعد أن هدأت العاصفة، لفت الجميع صموده، تبعوه، كان يمسكه الصغير بصمت من تحت الركام.
٢-نص “أحجار” للكاتب فلاح العيساوي – العراق: في وحدة الطوارئ صاح الرجل: (إني أختنق)، المسعفون كانوا مثل أحجار الشطرنج، صاحبته كانت تحاولُ تحريك تلك البيادق، لحظاتٍ حرِجة، جلستْ تلطمُ بقوةٍ فوق الجسد المُسجّى، الميّتُ كان يبتسم.
٣- نص “ألغام” للكاتب عبد الله الميالي – العراق: في بلاد الغُربة، استلم هَدية صديقهِ، فتحَ الحَقيبةَ، حَفنةٌ من تراب الوطن، امتلأتْ كَفْيّه دَماً.
٤- نص “مصيرٌ” للكاتبة أميرة إبراهيم- سوريا : حَضّرَتْ سَفَرِها، لَمْلَمتْ أَشْواقَها، نَثَرَتْ كَلِماتِ الحُّب على ضِفّةٍ السَّحاب .. عِنْدَما أَعلَنوا إقلاعَ الرِّحلةِ، بدأ البَحْثُ عَنِ الصُندوقِ الأسوَدِ.
٥- نص” هزيمة” للكاتب صلاح الدين بوشتاوي: وعدها ان يُوَشحها باللؤلؤ إن فاز فريقه المفضل، عاد ثملاً في أول الصباح بعدما اهدى لندمائه كل حبوب العِقد!!.
٦- نص”عُرْف” للكاتب اكثم صالح : زيَّنَتْ البَيَادرَ بسَنَابلِ عِفّتَها، صَدئتْ مَناجِلُ العَابثين، عَجَزَتْ الفَزّاعَةُ أنْ تهمِسَ لِلرّيح بوشَايه، مابين حَمامَةٍ و غُراب بثُّوا حيرَتهُمْ .. وفي موسمِ الحَصادِ أشرَعوا فتواهم : زٌؤَانُ الحَقل أولى بحِنطتِهِ!.
تلك القصة موغلة في الرموزية باسلوب فني بارع ومتمرس كما في ( اللؤلؤ، البيادر، الحقل، سنابل، مناجل، فزاعة، الريح، حمامة، غراب، الحصاد، زُؤَان ، الحقل ، حنطة) وان تلك المفردات كانت تستعمل في العصور القديمة كرموز .
٧- نص “استيلاء” للكاتبة حدة لمين – الجزائر:
سحبوا بصمته.. تمددوا على الطرق..
فتحوا المتاهات.. هشموا القاسم المشترك
نادوا: أهناك حي؟
خلف الصخرة.. أنين طفل.
وربما نجد الكثير من كُتّاب القصة القصيرة جداً من استدل بالطيور والحيوانات كرموز دلائلية فنية ادبية تُحاكي الواقع الذي يعيشه في كافة المجالات كما كان ذلك سائداً في العصور القديمة عند السومريين والآشوريين والاكديين الذين كانوا يضعون صور الطيور ويريدون بها السرعة وصورة الأسد رمزاً للقوة ومن تتبع نصوص أُدباء الحداثة نلاحظ تأثير المثيولوجيا الرمزية القديمة وهيمنتها على كافة الفنون الأدبية في الشعر والرواية والقصة القصيرة والقصيرة جداً ومنها على سبيل المثال وليس الحصر:
١- نص “سجين” للكاتبة نبأ حسن مسلم – العراق: يتفاخر الغراب بأنه الأدهى بين سائر الطيور عندما لمح فجأةً الببغاء بكل تقزحاته اللونية الفريدة جاثماً خلف القضبان،
فسأله : لم أنت سجين يا أخي ؟
فأجابه الأخير بحسرةٍ: (لأني اتكلم).
٢- نص”اشتباه” للكاتب علي السباعي – ذي قار: عرائس ببدلاتِ الزفاف مثل حمائم بيضٍ … ينتظرن امام مديرية الأمن لاستلام جثث عرسانهن الذين اعدموا ليلة زفافهم لأنهم لأنهم يحملون الاسم نفسه لشخصٍ أراد اغتيال الطاغية.
٣- نص” ثورةٌ” للكاتبة بهيه إبراهيم الشاذلي: العصفور الذي فرح بفتح القفص، خاب أمله عندما تم نقله إلى قفصٍ آخر بلونٍ مختلف.
٤- نص “موقف” للقاص عباس عجاج :
قبل أن يرتدي الليل لباسه الأسود, ظهرت الخفافيش مبكرا, أعددنا العدة, طفق كبيرنا يحفر, طأطأنا رؤوسنا في الحفر.
عند الصباح…
كانت راياتنا البيض خفاقة.
من مجموعتة قصصية ( هي هكذا) من اصدارات منظمة إدراك- 2020- نسخة الكترونية.
٥- نص “قرابين” للقاص طالب عمران : خفافيش تنقضّ على .. ليلها، لعٍقتْ ماتبقى من دمِ العصافير، وفضلات الصقور .. لّما خاصمت الشمس غَسَقها حين أرعبها المشهد أقسمتْ لن تعود .
من مجموعته القصصية “شتات في نفس المكان ” الصادره من دار العرب للنشر
٦-نص”قَيْدٌ” للكاتب صقر حبوب- فلسطين: الزَّهْرَةُ التي حَكّمُوا بجَهلِها لتقْتاتَ من الوكرِ حَلَّقَتْ بأجنِحَةِ ببغاءٍ ليعلمها
( أ ل ح ر ي ة … ) .
هذه ق.ق.ج اهداها الكاتب إلى روح الشهيدة زهرة- شاه.
٧- نص “تركيب” للكاتب محمد الميالي- العراق: اتخذ ربوة، تحسس انسانيته، لم يجدها، ذهب غاضباً إلى امه …
اجابته:
– ابنُ كلب، خنقت عواءَهُ خشية الفضيحة.
٨- نص ” تدجين” للكاتب محمد عبد الحميد إبراهيم – سوريا: كبرتُ في مزرعةٍ، تعرضتُ لشتَّى أصناف القهر حتَّى من قبل حيوانتها، تمنيتُ لو كنتُ سُنبلةً، عندما حان الحصادُ، استأسدَت عليَّ الطيورُ، كُلَّما أقنعتُ نفسي بأنني لستُ حبَّةَ قمح، نقرتني دجاجةٌ على أمٍَ رأسِي.
٩-نص”رؤية”للكاتب مجدي أحمد إمام – مصر:
نشر الطاووس الفكرة ، طارت البوم و الغربان تندب القتلى ، انطلقت الببغاوات تردد ،خافت الطيور حد الوهم؛ سكنت أعشاشها و استيقظت على مالك جديد للحديقة .
١٠- نص “حوار الحمير” للكاتب أكرم ياور رمضان- العراق:
قال الحمار الواقف هناك لزميلته: إن حياتنا بائسة نحن معشر الحمير، لقد مللت غبائي وصبري وانتهاك البشر لكرامتي، ليتني كنت بشراً، فأجابت زميلته بهدوء: إنه قدرنا الحزين، ولو لم أكن أتاناً، لوددت أن أكون حماراً.
١١- نص “نهاية” للكاتب رائد العمري:
كان يتأملُ فنجانهُ الأشرم كحظه، يرى فيه غرابا لا يُبشِّر بخير، فجأة جاءه الخبرُ اليقين، فزّ من غفلتهِ مذعورا خارجا من كل أحلامه، وقتها فقط عرفَ أنّهُ قد طُعنَ في قلبه، بنفسِ اللحظةِ تُعلن الشمسُ التي كانت تأخذُ نورها من قلبِهِ إشراقتها من جديد، ولكنها أشرقت في سماء غير سمائه، ابتسامةُ الغراب غير البريئة كانت واضحة في فنجانهِ، حاول قلب الفنجان من جديد بعدما هزَّهُ عدة هزاتّ بنية تغيير الواقع، اختلفت كل معالم الفنجان وخرائطهِ، لكنّ الغراب فرد جناحيهِ ليحتضن كل ما حوله بسوادهِ، وقتها فقط تأكدَ عقلهُ أن القلب فاشلٌ وساذجٌ للحدّ الذي أهلك به صاحبه وحوْله إلى إنسانٍ عاجز، الفنجانُ الذي تحول إلى أشلاء متبعثرة حافظ على الغراب بابتسامته التي طُبعت كآخر صورة التقطتها عينهُ قبل أن يفارق الحياة..
كثيراً ما تختلط نصوص القصة القصيرة جداً وتُعجن بنكهة وأريج الأساطير والملاحم القديمة لتبث للمتلقي عطراً يتنفس به روح الأصالة ويفتح له ابواب الربط والتأويل عن الإرث الحضاري العريق الذي يضعه الكاتب على مائدة متنوعة من الرموز وهناك العديد من القصص الزاخره بهذا النوع الرمزي المثيولوجي :
١- نص “سرّ” للكاتب الطيب الجامعي:
استشرى؛ حصد الصّغيرَ و الكبيرَ…
لمّا لم ينفع لا الحجْرُ و لا التّعقيمُ قصدوا “أبولو”، جثوْا تحت قدميْه؛ أشارت “بيثيا” إلى قطعة اللّحم الّتي تدور و تتلوّن بين فكوكهم.
تطغي الرمزية المثيولوجية على هذا النص حيث
أَبُولُو أو أَبُلُن أو أبوللو (Apollo)،حسب ما كان يعتقده الإغريق هو إله الشمس، إله الموسيقى، إله الرماية (وليس إله الحرب)، إله الشعر، إله الرسم، إله النبوءة، إله الوباء والشفاء، إله العناية بالحيوان، إله التألق، إله الحراثة. يملك جمال ورجولة خالدة. ويتم نقل نبوءاته والإجابة عن الأسئلة بواسطة الكاهنة بيثيا.
أبولو (إله إغريقي).
٢- نص “بَيَادِق” للكاتب عبد الحكيم قويدر/الجزائر:
تَحَلَّقَ السَّحَرَةُ حولَ ساحَةِ ألْعَابِهم الموْسِميَّة، على مسَافاتٍ مُتُساويَّةٍ مِنْ عَمودٍ نُصِبَ في المركز.
سَوَّى كَبِيرُهُم كُرْسِيَّهُ الدَّوَار..
أَلْقوا حِبَالَهُم، وأَلْقَى من عِل مَكْرَهُ..
بِلُعْبَة جَديدَة، شَدَّ أَعْنَاقَهُم بِحَبْلِه..وَرَبَطُوا أَرْجُلَهُم بِأيْدِيهِمْ..
نَظَّمَ أَطْرَافُ الحِبَالِ في يَدِهِ..
كُلَّمَا رَفَعَ أَحَدُهُم رَأْسَهُ؛ سَحَبَ الكَبِيرُ قَدَمَهُ فَيَتَرَاجَع..
لمَّا حَاوَلوا الفِرَارَ عُصْبَةً؛ جَرَّ الرُّؤوسَ بِعُقْدَةٍ سِحْرِيَّة لِتَتَنَاطَح..
وَوَعَدَهُم بِحُزْمَةِ تِبْنٍ بَعْدَ الدِّرَاسِ!.
وظف الكاتب الرمز “السحر” في هذه القصة التي فيها امتداد حضاري قديم وفيها صفة الاستمرار على مدى الأزمان حيث
مارس إنسان العصر الحجري الطقوس والتعاويذ السحرية فالرسوم والرموز التي نقشت على جدران الكهوف والمغارات والكتب والأساطير القديمة تدل على ذلك، فقبائل (النياندرتال) و(الكرومانيين) الذين عاشوا على هذه الأرض منذ ما يزيد عن 80 ألف سنة أحسوا أنهم يواجهون شراسة الطبيعة وجها لوجه، إضافة إلى الحيوانات الضارية والأفاعي الشرسة والوحوش الكاسرة. فاستعانوا على ذلك كله بالسحر حيث كان لكل قبيلة ساحر يستعينون به على مواجهة تلك الصعاب، فيرسم لهم صورة دب مثلا على الأرض، ثم يقوم بالدوران حولها عدة مرات وهو يترنم ببعض الكلمات التي لها مدلول سحري مع تأدية بعض الرقصات، ثم يغرس بعصاه الحجرية في عنق الدب المرسوم، وبعدها ينطلق الصيادون يتعقبون آثار الدببة ليعودوا بها صريعة.وانتقل إلى الحضارة البابلية على ضفاف نهر الفرات نهضت أركان مدينة بابل، حيث كانت تزخر بشتى العلوم والفنون وعلى رأسها السحر. “وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت” فكانوا يعبدون الكواكب ويعتقدون تأثيرها على حياة البشر. ومن ثم عند المصريين القدامى وطقوسهم السحرية وإلى بلاد الهند وفي بلاد الإغريق حتى انتقلت إلى عصرنا الحالي، يظهر جلياً الرمز الأسطوري نتيجة التأثر بالحضارات القديمة العريقة
٣- نص “ميكافيلية” ٣- للكاتب عامر عليوي/ العراق:
حث شعبه على الوقوف خلفه بوجه تلك الدولة البعيدة ، اتهمها بنشر الفايروس، دعا مجلس الأمن للإنعقاد ومعاقبتها، آلمه انتحار ابنته عالمة الأحياء، صدمته عبارة تضمنتها رسالتها: معذرة يا أبي فقد أفلت مني دون قصد.
من خلال العنوان الذي يعني:
الميكافيلية (Machiavellianism) هي نظريّة أو وجهة نظر سياسيّة تبرر استخدام الزعيم كل الوسائل اللازمة مهما كانت مجحفة وغير أخلاقيّة للحفاظ على سلطته وتحقيق أهدافه. تنظر أيضاً المكيافيلية للطبيعة الإنسانية بنظرة متشائمة وتعزّز الأفكار الانتهازية ،وتبرّر التلاعب والخداع وغيرها من الأخلاقيّات المرفوضة إنسانيّاً.
اراد الكاتب من خلال هذا الرمز ان يشير إلى البعد التاريخي الاسطوري لتعاقب الزعماء ونهجهم التلاعب عن طريق مقولة الغاية تبرر الوسيلة .
٤- نص ” سامري” للكاتب مصطفى الصغوسي- المغرب: في صعودهم المتعرج غرباً ، قصدوه، قرنوا انفسهم في أصفاد أعدها سلفاً، أهدوه كنوزهم وأكفان شعوبهم وهم يرتعدون ان تقع عينه على أحدهم، ألقى إليهم بعض ألعاب نارية، تهافتوها مضمرين، تدحرجوا وقد علا خوارهم.
ان تأثير الرمزي المثيولوجي الأسطوري وأضح فيها من العنوان، السامري الشخصية اليهودية والذي أغوى بني إسرائيل بعد ان ذهب موسى إلى الله ، فأخرح السامري عجلاً جسداً له خوار فأضل الكثير منهم .
٥- نص “بروباغاندا” للكاتب هيثم العوادي- العراق:
في وهجِ التاريخِ، تقيَّأتْهمُ السفنُ على سواحِلنا، مُدَّتْ حرابُنا الطوالِ، قذفَتْهم في بطونِ الغربِ…
حينَ ترَكوا حصانَهُم الخشبيَّ؛ استحالَ مسخًا، ما إنْ واقعَ أرضَنا البِكرَ؛ وُلِدنا خانعين!!.
يظهر من عنوان النص بأن أصل الكلمة أتى من اللاتينية “كونغريقاتيو دي بروباجاندا فيدي” والتي تعني (مجمع نشر الإيمان)، وهو مجمع قام بتأسيسه البابا غريغوري الخامس عشر في عام 1622. يقوم هذا المجمع على نشر الكاثوليكية في الأقاليم.
و تعني بروباجاندا باللاتينية نشر المعلومات دون أن يحمل المعنى الأصلي أي دلالات مضللة. المعنى الحالي للكلمة نشأ في الحرب العالمية الأولى عندما أصبحت مصطلح مرتبط بالسياسة.
٦- نص “عواقب” للكاتبة م.مرح صالح – سوريا:
استطالَتْ خيوطُ عناكبهم، زجُّوا بنا في غارِ الاستعبادِ، دنَّسوا أرضَ (عادٍ)، لبِثنا أمداً نُداري سوءاتِهم بينما قَشَّتُهم تلاعبُ الطوفانَ.
هذه النصوص هي نموذج للكتابة القصصية القصيرة جداً المتقلبة بين الاقتضاب والإيجاز المطلق، وبين القصصية التي تمتد أحيانا لتتجاوز الصفحة الواحدة، ومن جهة أخرى مثن سردي غني بالإشارات الترميزية التي تُغْني السارد عن الإسهاب والتفصيل، وتمنح المسرود له فرصة الاستحضار والعودة بالذاكرة صوب محطات معرفية متنوعة ومتضاربة. إنها تمارس على المتلقي نوعا من العصف الذهني غير المقصود لذاته بقدر ما كان المقصود الإمتاع والالتذاذ بالنص، وأحيل هنا على لذة النص .
تكتسي “تلك النصوص” حلة رمزية جمالية ، والتي تندغم فيه الدلالات المتضاربة بين الوهن والقوة، الفقر والغنى، البؤس والكفاف،مما يجعل القارئ يفكر في العنوان إلى الرمزية في نصوصهم كطاقة إلهامية تسعفهم في الإستغناء عن المألوف وخلق التوازن من نقيضه والتركيز والإسهاب والتجديد والتفصيل والتلميح والتصريح ووضع مفاتيح لمتعة المتلقي في فك الرموز وتحليلها .
وإن الاشتغال على الرمز في القصة القصيرة جدا يعطي قيمة مضافة للكتابة الأدبية وتوفر هذه القيمة في الانواع الضاربة في القصر والممعنة في الإيحاء والتلميح وهو عمل يقوي جسور التواصل مع المتلقي وهو شعور لايتعارض على حد تعبير الناقد الفرنسي رولان بارت مع عذابات الكاتب الذي يتوجه بخاطبه نحو قارئ غير معروف لديه وغير واضح المعالم بالشكل الكافي الذي يجعله واثقا والوضوح .
واختلف النقاد وكُتّاب القصة القصيرة جداً بين مؤيد للترميز وبين غير مستحسن له :
يقول القاصّ عباس عجاج:
أعتقد أنّ النصّ رسالة خطابيّة بين طرفين ( مُرسِل، ومُرسَل إليه ) , لذا يجب أن لا يبتعد الترميز عن المضمون، أمّا اختلاف التأويلات لدى القرّاء في نصّ ما، فتلك إيجابيّة أراها مُتعلّقة بقدرة الكاتب، في فتح مساحة واسعة لأبعاد من الرؤى والتخيّلات. وللقارئ الحقّ في أيّ اتّجاه انتحى ، سواء اقترب أو ابتعد عن المضمون الخَفيّ).
وتقول القاصّة والشاعرة السوريّة (ميادة سليمان) في مقالة مُلفتة عنوانها (الفكر الدّاعشيّ في القصّة القصيرة جدّاً): وقد شاعت الرّمزيّة في هذا الجنس الأدبيّ، وهو أمرٌ جميلٌ ولكن للرّمز أناقته، وضرورة توظيفه توظيفاً صحيحاً ليوصل الفكرة المرجُوّة إلى المُتلقّي. والمُؤسف أنّ مُعظم الكتّاب لا يُميّزون بين الرّمز والطّلسمة والّتي باتت شائعة جدّاً في النصوص. وبات القارئ يحتار في أمره أيحتاج مُعجماً، أمْ أنّه بحاجة إلى عَرّاف يفكّ له تلك الطّلاسم؟ … الرمزُ لا يعني الطلسم بأيّ حال من الأحوال، بل إنّ جماليّته، في شفافيّته و التقاء القراءة في فهم تفسيره دون الوصول إلى عبارة لم أفهم شيئاً!.).كما يقول القاص أحمد فتوح.
وفي الحقيقة، إنّ أكثر الاشياء التي تربكنا أمام هكذا نصوص؛ أنّنا نشعر بعد قراءتها، بهزيمة ساحقة. فالكثير منها اليوم ضائعة بين طرفين، إمّا إسفاف مغرق في الغموض، أو إباحيّة باردة في المباشرة. ورغم أنّ هناك ثيمة ما، كتب لها النصّ، لكنّنا نعجز عن فتح المغاليق.
يقول القاصّ السوريّ نور الدين عمار مؤكّداً هذه الحقيقة:
(الكثير من القصص تأتي مُتطرّفة بإيغالها في الغموض والطلاسم , فتكون عصيّة على الفهم، ولنْ تصل رسالة هذه القصّة إلى القارئ، وبالمقابل عندما تكون القصّة سرديّة مباشرة واضحه، فإنّها تفقد الكثير من التشويق، ولا تدفع القارئ لإعمال فكره كي يصل إلى المغزى والهدف والعبرة من القصّة… والأفضل برأيي أمر بين هذا وذاك، وخير الأمور الوسط)…
أما القاصّة السوريّة عتاب كوسا فعبّرت عن رؤيتها قائلة:
(الرمزيّة لا تعني أحجية، كلّ نصّ يكتب له كلمة أعتبرها مفتاحاً للنصّ، وقلب موازين الحروف كلّها، وهذا جمال الكتابة والقراءة على حدّ سواء. فقط على القارئ أنْ يغوص بالحروف قليلاً ويحلّل ما يقرأ، لا أنْ نقرأ ونمضي والسلام!. نعم… هناك تفاوت بفهم ما يُقرأ وهذا طبيعيّ جدّاً. وسأضرب مثلاً “نزار قباني” بالرغم من شعره الغزليّ و”الإباحيّ” فإنّه شاعر ثوريّ بامتياز ومنْ يقرأ له ويدخل بين حروفه يعرف تماماً أنّ المرأة هي رمز للوطن).
اما الناقد التونسية فتحية دبش فإنها تقول في حوار عن الترميز في القصة القصيرة جداً بين الاستحسان والاستهجان: (إن القصة القصيرة جداً لا بد ان تقوم على الترميز والتقنيات واحترام المقاييس الأدبية والنص في ق.ق.ج هو مختال بالاساس …وإن الرمز من جماليات الإبداع فيها وإن الكاتب مجبر على أحترام قارئه ومنحه مفاتيح النص والقارئ مجبر أيضاً على التعامل الفكري … نحن لا نكتب ال ق.ق.ج في خمس دقائق ونقرأها ليس في خمس دقائق …) .
وإني أرى الترميز الغير موغل بالألغاز في ال ق.ق.ج من وسائل القاص البارع العارف والمطلع والمحترف ويمنح المتلقي لذة الغور في النص والتمتع بتأويله حسب مستواه العلمي ويفتح آفاق البحث والتحري عن مفردات النص والتي تزيده معرفةً بأمور اخرى ربما غابت عنه او لم يطلع عليها مسبقاً بشرط وضع المفاتيح التي تساعد المتلقي في فك الرموز .
يتبع…
المصادر
_____
١-دريّة كمال فرحات، استاذه جامعية وشاعرة وعضو في منتدى الادب الوجيز، مقال في جريدة البناء ، تنقيات القصة القصيرة جداً.
٢-الدكتور عماد الضمور ، القصة القصيرة جداً بين سطوة الرمز وعفوية السرد ، دنيا الوطن ، print, httos// pulpit. ,alwatanvoice.
٣-محسن عطيه، الفن وعالم الرمز، دار المعارف ، مصر ١٩٩٦.
٤- د.يوسف حطيني ، نظرية القصة القصيرة جداً.
٥- عليه عزت ، معجم المصطلحات اللغوية الادبية ، القاهرة، المكتبة الأكاديمية ١٩٩٤ ص١٤٤.
٦- الباحث عبد الوهاب محمد الجبوري ، دراسات لغوية عم اللغات السومرية ،الاكادية .
٧- وليفرد وثيسجر، المعدات وسكان الاهوار، ترجمة الدجيلي باقر.
٨-صلاح فصل، اساليب الشعرية المعاصرة، دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع ، القاهرة، ١٩٩٨.
٩- امينة قسيري ، الرمز ومتعة النص القصير جداً ، اضواء ، الزمان ، ٢٠١٦.
١٠- سالي ديب، الميكافيلية ، الموقع، arageek.com.
١١- اعداد واشراف عباس عجاج، ترانيم الحرف الجزء الاول ، قصص قصيرة جداً لمجموعة من ادباء العراق والعرب، نشر وتوزيع دار المتن، اصدارات منظمة إدراك.٢٠١٨.
١٢- ترانيم القصص الجزء السادس ، الناشر دار ببلومانيا للنشر والتوزيع مجموعة قصصية لمجموعة من ادباء العرب، ٢٠١٧.
١٣-طالب عمران المعموري، شتات في نفس المكان ، مجموعةذ قصصية ، ديوان العرب للنشر والتوزيع، المدير العام محمد وجيه، ٢٠١٩.
١٤- عباس عجاج ، المجموعة القصصية رقصة الموتى، دار المتن- بغداد- 2018اج،
١٥-عبد الحق زداح: عالم السحر غرائب وعجائب(تاريخه أنواعه علاجه)دار الهدي. عين مليلة الجزائر. 2005٥-
١٦- بحث للاستاذ علي غازي – العراق – حول الترميز في القصة القصيرة جداً .