دراسات و مقالات

التناص الامتصاصي في قصيدة ( أنا والحزن ) للشاعر … حافظ لفته

عبدالرحمن الصوفي

تقديم

إن أي قراءة تتبنى مصطلح التناص ، هي قراءة استرجاعية ، تبدأ فاعليتها بقراءة النص ، ثم ترتد عليه ، في وعي ، إلى الروافد السابقة له سواء كانت قديمة او موغلة في القدم ، أم كانت قريبة أو حديثة تكاد تتجاوز زمن النص الحاضر ، على أساس ان يكون في الوعي تلازم القراءة المرجعية مع القراءة التأويلية ، وظواهر التناص وانواعه وأشكاله كثيرة ، نذكر منها :
– التناص الاقتباسي
– التناص اﻹشاري
– التناص اﻷسلوبي
– التناص الامتصاصي
سنركز على بعض النمادج الشعرية العربية في دراستنا النقدية المستقطعة للقصيدة المعنونة ( أنا والحزن ) من خلال التناص الامتصاصي ، وهو من انواع التناص الميت المرتبط بتيمة النص ( الحزن والذات ) .

يقول الشاعر ( حافظ لفته ) في بداية قصيدته :

أنا والحزن في المهد
تعاهدنا إلى اللحد
لأحفادي سأورثه
كما قد جاء من جدي

ويقول امرؤ القيس ( جد كل شاعر شاعر ) في المجتمع الجاهلي :

وليل كموج البحر أرخى سدوله علي بأنواع الهموم ليبتلي
فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف أععجازا وناء بكلكل
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل بصبح وما اﻹصباح منك بأمثل

منذ وجد اﻹنسان على وجه البسيطة وهو يعاني ازمات الحياة ، ويدرك ما فيها من حزن وسرور وخير وشر . شعور اﻹنسان بالحزن واﻷلم ظل رفيقه في الحياة …فأصبح الحزن كموضوع للإبداع الشعري منذ العصر الجاهلي وصولا إلى العصر الحديث ، ونراه جليا في أشعار المذهب الرومانسي واﻷمر يعود لشعورهم الحاد باﻷلم وواضح عند ابي القاسم الشابي وابراهيم ناجي …
يختلف الشعراء من حيث إحساسهم بالكون وبأنفسهم وما حولها اختلافا مبعته العمق والحدة واﻹدراك والنفوذ إلى بواطنهم وما يصورونه ويتصورونه . لذلك نجد تبادل ثنائية الحزن والذات للادوار ، فقد تغلب الذات الحزن ، او قد يغلب الحزن الذات او قد يتآلف الحزن مع الذات ، جزء من هوية تكمل بعضها ..

يقول الشاعر في قصيدة ( أنا والحزن ) :

أمواج اﻷسى اصطدمت
بمجاديفي بلا وعد
وبدد مهجتي نتفا
بقصد او بلا قصد
فتهت بلوعتي أسفا
كان سعادتي ندي
يكاد الحزن يقتلني
ولا أقوى على الرد

يقول مجنون ليلى :

ما جرت هذه على الخذ حتى لحقت تلك بالتي سبقتها

ويقول المتنبي :

ربما تحسن الصنيع لياليه ولكن تكدر اﻹحسانا

إن اﻹنسان يصير إلى كماله الذي يبحث عنه دوما بطرق مختلفة ، ويصدر عنه فعله الخاص به ميل شعوري نحو هذا الكمال ، على اعتبار ان علم الموجودات كليتها وذواتها وخواصها تصير بلا نهاية ، فإن تعرفنا كليات الموجودات تعرفنا جزئياتها ، إن التفكير وحده يكشف عن وجود جوهري للنفس المتألمة والحزينة ، مجموعة أفعال تابعة لصفة التفكير …

يقول الشاعر حافظ لفته :

تمادى في تغطرسه
فبعثر روعة الخد
فما أبقى من الورد
عباراتي التي انتظمت
بشعر متمر مجدي
وكل قصيدة كتبت
وضج ببوحها ودي
يبحر الحزن مسراها
بجزر او مد

يقول الشاعر حافظ ابراهيم :

ماذا جنيت من الدنيا ومن تجارب الدهور
غير الندامة واﻷسى واليأس والدمع الغزير

ويقول الشاعر الكبير ناجي :
ويراني الناس روحا طائرا يطحنني طحن الرحى

المعرفة في حد ذاتها لها حزنها الخاص وهي دافع للشاعر للنظر إلى نفسه في عالم متغير محمل بمظاهر اﻷلم والحزن المتعدد اﻷسباب والمسببات ، بحيث أصبح محفزا للكتابة عند الكثير من المبدعين الشعراء مثل نازك الملائكة والسياب وغرهما ، فحزن اﻹنسان المبدع يتسم بحساسية خاصة بحيث يستطيع المبدع ان يحول حزنه وآلامه إلى مادة إبداعية …

==================خلاصة =======================

القراءة الموجهة إلى ظواهر التناص تعتمد على الطاقة التخيلية وعلى قدرتها على متابعة الحاضر والغائب ، والمعقول وغير المعقول والمادي والمعنوي ، فالمخيلة هي الطاقة التعويضية عند غياب المرجعية الواقعية ، إذ تسعى لعقد علاقة بين النص الحاضر والنص الغائب ظ سواء أكانت العلاقة علاقة تنافر او علاقة محايدة او علاقة توافق ..

القصيدة التي اخترتها

أنا والحزن
===========
أنا والحزن في المهد ِ
تعاهدنا إلى اللحد ِ

لأحفادي سأورثه
كما قد جاء من جَدِّي

بأمواج الأسى اصطدمت
مجاديفي بلا وَعد ِ

وَ بَدّد بهجتي نتفا
بقصدٍ أو بلا قصد ِ

فتهت بلوعتي أسفا
كأن سعادتي ندِّي

يكاد الحزن يقتلني
ولا أقوى على الردّ ِ

وتحملني زوارقه
وأن الجدف لا يجدي

تمادى في تغطرسه ِ
فبعثر روعة الخدّ ِ

وعاث بروضتي ألماً
فما أبقى من الورد ِ

عِباراتي التي انتظمت
بشعرٍ مثمرٍ مجدي

وكل قصيدةٍ كُتِبَت
وضجَّ ببوحها ودِّي

ببحر الحزن مسراها
بِجَزرٍ كان أو مَدّ ِ

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى