خواطر

استنبول المنفى نص ل عمر حسن الخيام

ما ان استفقت في هذا اليوم الذي اشتد فيه الهواء يعصف في غرفتي

واشتدت فيه الريح تنذرني اني يجب ان اكثر من الاغطية والكثير

من الدثر الا اني اخذت اتثاقل في نومي فلا اجد أي رغبة عندي

في تغير اي شيء من نومي برغم شعوري بالبرد يأتي من النافذة

التي اتركها دوما مفتوحة عادة على مصراعيها حتى يدخل منها الهواء

ويداعب الهواء غرفتي مع ذالك كان ليس بارد فهو هواء ناتج

عن ارتفاع نسبة الرطوبة في تلك الاجواء الساحلية في تلك المدينة

التي اقطنها وتقع على ضفة البوسفور
استنبول ايتها المدينة التي ابهرتني بجمالها وروعتها وقربها من مدينتي في بعض الاماكن منها اخذت تتشكل صورتها في كياني وتقترب من نسخ الصور جمعتها في ذكرياتي والتي حملتها من دمشق القديمة فهي تتقرب من مدينتي فيها الكثير من الخصال التي تتشابه مع دمشق
وفيها الكثير من العادات التي تتقارب مع الدمشقيون فليس غريب هذا كيف لا وهم كانو بيننا منذ زمن قريب ونعرف عنهم الكثير انهم الاتراك يتشابهون معنا في الكثير ويتقاربون في الفكر والعادات والديانة
الا هناك شيء مختلف عندهم وغير موجود استنبول هي لا تصل الى جمال دمشق ولن تتقرب الى عطر الياسمين الموجود فيها والمفقود من شوارع استنبول وبيوتها العتيقة انا اجد البيوت هنا صماء خرساء لا تتحرك ولا تتحدث ولا تشعر متيبسة جامدة فاقدة للحراك على خلاف بيوت الدمشقية المفعمة بالحركة والحب فترى تلك البيوت تنهض معك من نومك تنهض مع شروق الشمس وتلقي عليك الف تحية وتحاكي ما فيك لتعطيك دفئ الام المفقود في استنبول
وتتحرك وتنفض عنها غبار الكسل وتعيد التاريخ الى جادة الصواب وتشرب معك القهوة المعتقة والممزوجة بمزيج يتخلله العبق والهال العماني المنعش وتتحدث اليك في كل شيء حتى قطع الزريعة المنتشرة في اركان البيت والمصطفة بشكل هندسي غريب حول المصاطب والأطاريف المخصصة لقطع الزريعة المنزلية في البيت وعلى الجدران المعلقة كما لو انها شرانق من خيوط الحرير تنسج قصة حب ازلية تتنفس بعكس الخرسانة الصماء هنا التي تشعرك بالضيق والتعب من الادراج المتعرجة بشكل دائري ومتخذه شكل السلالم الحلزونية المرهقة في الصعود وتسبب الدوار في النزول والتي تتجمد في الشتاء وتتمدد في فصل الحرارة
حولت جهاز الكمبيوتر عندي على فيروز وكنت استمع الى اغنيتها ليالي الشمال الحزينة وكم دب الحزن في قلبي وانا انصت الى عصفورة الساحة والمنذورة للشمس والى الطرقات وانا قابع في تلك المدينة البعيدة لا احد يعرف ماتعني لي فيروز ولا احد يفهم تلك العلاقة التي خلقت بيننا
لا اجد سوى الذكرى في تلك الاغنية التي اشعلت النيران في قلبي وحركت الوجد من جديد في قلبي اخذت تحرق فؤادي وتؤلم كبدي اكثر فأكثر كم اود ان اقبل التراب وما فيها تلك العاصمة الابدية للتاريخ
وانا في حيرتي وصمتي تلك
اجد هناك من اخذ يرتب على كتفي ويحدثني بصوت رقيق ويقول بصوت خفف من شدة الوحدة ووطأة الغربة وكربتها عني وساعدني على استعادة بعض من التوازن من جديد
بابا انها ابنتي الصغرى تتحدث الي
انها القهوة اعددتها لك وتلك الرائحة العجيبة التي انتشرت في المكان تستحضر دمشق الى الوجدان وصحن بسيط من المعمول الدمشقي المعد خصيصا انها حلويات دمشقية تقوم بصناعتها النساء عادة في الاعياد فهي تشعرك بقدوم العيد وانها من ثقافة الدمشقيين منذ زمن طويل
ويقدم مع القهوة الصباحية دوما
كنوع من الضيافة والتكريم بحلول الاعياد ونحن خارجون من شهر الصوم المبارك وخارجين من فرح الاعياد المفقود في منفانا البعيد بدون هؤلاء الناس الذين كانو يأتوننا في صباحات الاعياد المشرقة في دمشق مع ثلة من الاهل والاقارب والخلان نتجالس اليهم ونتسامر ونتشارك الفرح والحب معهم ونتحدث عن كل شيء بينما الاطفال الصغار يلهون في حديقة المنزل في ارض البيت العربي يتراكضون ويلعبون ويتناولن تلك الحلويات والاطعمة التي قامت زوجتي على اعدادها وصنعتها زوجتي لهم مع الكثير من الحب المضاف اليها ومن الهدايا التي حضرتها لهم والكثير من الابتسامات التي تعانق فيها الاحفاد
دمشق كانت تعانق كل ما في وجداني وتستقبلني في مثل هذه الايام بين جدرانها العتيقة وشوارعها الضيقة التي تتسع الى الف رجل مرة واحدة برغم ضيقها وازقتها الترابية وانا عائد من المقبرة بعد ان قمت بزيارة الاضرحة وقمت بزيارة امي الراقدة هناك بهدوء كانت تخفف علي من وحشة الوحدة بعد ان فقدت اخوتي وفقدت من امنتهم على سري و اليهم سررت بما في قلبي من حب وخوف وهلع
كانت تلك القهوة هي الشيء الوحيد الذي اعادني اليك واعاد اجزاء مفقودة من احلامي الضائعة في المنفى البعيد و في غياهب الغربة الكئيب
اوصيكم ايها الاحباب والاصدقاء في القاء السلام على دمشق
صباحكم خير دائما انها خطاريف رجل مشتاق

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى