شعر

أوراقٌ لم تُحرق

عبد الجبار الفياض

 

(( أوراقٌ لم تُحرق ))

حذارِ
إنْ كنتَ تهمسُ بصوتٍ عال . . .
لا تنظرْ إليهِ إنْ مَرَّ موكبُ حوتٍ بريّ
خلفَهُ عاصفةُ صَمْت
أمامَهُ قاماتٌ تلحسُ الأرض . . .
القذارةُ بقالبٍ آدميٍّ مُستعارٍ من سُلالةِ بَغْل . . .
بَعُدَ أنْ ترى وجوهاً شاهتْ
يتوعّدُها قاعٌ من نار . . .
أحفرْ قدميْكَ ذكرى على رصيفٍ أخرس
أمشقْ على الجّدارِ أنفاسَاً بلا إمضاء . . .
لولا بصقتَ قبلَ أنْ تَعبرَ هذا القَرَف . . .
. . . . .
بياقاتٍ بيض
تسبقُهم عيونُهم الأُفقية . . .
إنَّهم ماهرون جداٌ في اصطيادِ الجّماجمِ الفارغة . . .
طيّبون جداً
يُطعمون كلابَهم فُتاتَ ما يأكلون . . .
بحذاقةٍ ليّنة
يشترون لُهاثَ كلابٍ ضالّة
تبحثُ عن شظيّةِ عَظْم . . .
أيُّها السّادة
لا تُلبسوا الأشياءَ غيرَ ثوبِها
توقّفوا عندَ هذا الحدّ . . .
عراةٌ أنتم اليوم
قَصُرَتْ عملتُكم المُدجّنةُ عن تغطيةِ عورتِكم . . .
ذيولُكم المبتورة لم تَعدْ قادرةً على طردِ الذُّبابِ من على جيَفِكم المُتفسّخة . . .
. . . . .
أنْ قدْ غرُبتْ شمسُ أنصافِ الآلهة
كلكامش
إخناتون
هٍرَقْل . . .
ألسنا الآنَ في زمنٍ أنصافِ الشّياطين ؟
منصةٌ مومس
أفرغَ عليها زَبداً ما لهُ من ظلٍّ
يمكثُ في أرضِ التّعساء . . .
لا تُحملْني جريرةَ فُقدانِ ما علا رقبتَك . . .
أنتَ اخترْتَ شطراً محفوفاً بموتٍ
مُتمرّداً بهِ تكون . . .
لا غرابةَ لرأسِكَ ألّا يكونَ معك
عندَ قبرٍ بلا شاهدة . . .
أغمضْ عينيْكَ
دعْنا نسرقْكَ وفقَ القانون . . .
أنتَ في ولايةِ نصفِ شيْطان ؟
. . . . .
صَلبوه
لكنَّهم
لم يصلبوا لاءَهُ في حنجرةِ رفضِه
من عينِ الموْت
تتدفّقُ للحياةِ عيون
تمنّتِ الثّريا لو كانتْ ثرىً
أيُّ عِشقٍ تتمناه
أيَّتُها الصّحراءُ المنسيّة
بفراشِكِ الذي يمزقُهُ نهارٌ مفتوح
ويخيطُهُ ليلٌ أعمى . . .
تهبينَ عُريَك لقبّةِ النّجوم
تعصرينَ أثداءَ السّحبِ الدّاكنة
حينَ يتَرّجلُ فارسُكِ ببرقة
كوني حصاناً غيرَ مُروّض
يبتلعُ صهيلَهُ ولا يشكو جوعاً
ليسَ لعباءةِ بدويٍّ موشاةٍ بأثافي كَرمهِ إلآ أنْ تكونَ خيمةً لجرحِه . . .
. . . . .
ثقبوا جسدَ الشّاعرِ بعوزِ يومِه
لكنَّهم لم يثقبوا رئةَ القصيدة . . .
ألِأنَّ الشّعرَ يُغري الحجارةَ أنْ تكونَ رصاصة ؟
الرّمادَ جمراً يتلظّى ؟
ألِأنَّهُ
موصولٌ بمشيمةِ أرض ؟
أعطتْهُ سرّاً لا يُباع . . .
طالما أوقدَ الخوْفَ قبساً أشعلَ ناراً . . .
لهُ ما لأقدامٍ تطوي مسافاتِ اللّيلِ نحو الشمس !
. . . . .
شنقوا الفِقهَ من أُذنيْه
حلزَنوه . . .
أدخلوهُ دورَ الأزياءِ الحديثة
أخرجوهُ موضةً لكُلِّ موسم
مسحوقاً لمعالجةِ قروحِ السّاسَة . . .
طقوساً ممنوعة
أنْ تقرأَ مئةَ عام *
حقلَ الحَيوان . . . **
أنْ يَصحبَ سمعُك بيتهوفن . . .
يخرجَ بريشت من بينِ الجّمهور
وتصفقَ له . . .
يمتدَّ بصرُكَ للعشاء الرّبانيّ . . .
أنتَ في عُزلة
لا تَقربْ صوتَك في جلسةٍ سريّة بعيداً . . .
فصوتُكَ محفوظٌ في قُرصٍ مُدمَج . . .
. . . . .
قد يقفلُ ضبابٌ كُلَّ الطُرقِ إلى روما
يومىءُ حبلٌ بيدِ جلاّدٍ لرقبة . . .
ربَما تُودّعُ عيناكَ قرصَ الشّمس
فماً من غيرِ لسان . . .
فلا تُشاركِ الموتى جمهوريتَهم المُغلقة
فهم مُكرَهون . . .
فقطْ
إنَّهم ينعمون بديموقراطية لم يروْا مثيلَها في الحياةِ الدّنيا . . .
إنْ كُنتَ تُريدُ أنْ تكونَ أنتَ
فكنْ أنتَ . . .
بدونِ أنْ تبحثَ في شمسِ المعارفِ عن
تعويذةٍ
طاقيّةِ إخفاء ***
مُصباحِ علاءِ الدّين . . .
كيفَ تُهادِنُ أشرعةٌ ريحاً غضوباً
وتبلغُ الضّفاف ؟!
. . . . .

………………………………………………………………………………………………………………….

* مئة عام من العزلة رواية للكاتب غابرييل غارثيا ماركيث، نشرت عام 1967، وطبع منها قرابة الثلاثين مليون نسخة، وترجمت إلى ثلاثين لغة وقد كتبها ماركيث عام 1965 في المكسيك.

** حقل الحيوان رواية دِستوبيّة من تأليف جورج أورويل نشرت في إنجلترا يوم 17 أغسطس 1945 و هي إسقاط على الأحداث التي سبقت عهد ستالين و خلاله قبل الحرب العالمية الثانية.

*** شمس المعارف الكبرى أو شمس المعارف ولطائف العوارف، كتاب -مخطوط- لأعمال سحر تتعلق بالجن، حرمها دين الإسلام، وينسب تأليفه إلى أحمد بن علي البوني المتوفى سنة 622 .

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى