أهازيج المغيب – الشاعرة و الكاتبة الليبية فاطمة الرقعي ١٩٨٠م
السعيد عبد العاطي مبارك
” سَلامٌ على تلكَ المشَاعِر إن هَمَت
وأذعنَ منها كلُّ حرفٍ مُكابرِ
وَعتَّقها وجدٌ وطافَ بوهْجِها
يراعُ المُعنَّى ليسَ يُدرى بسَاتر.
وأوْردهَا عذبُ الخيالاتِ والرُؤى.
على ظمأٍ سُقيا للَِفْحِ الهوَاجر
تَجلَّى سَميرُ الروحِ من بعدِ حِجّة
أقامتْ على نفسِي حدودَ المُهاجِر
وأوزعَني من خالص البَوح جِنةً
تهيمُ بها نفْسي وتشدُو مآثري” .
===
حفظ الله ليبيا الحبيبة حيث جو الصراعات ، لكن يظل الشعر متنفسا يهرع اليه الإنسان المبدع بمشاعره الفياضة يسطر ملحمة السلام ٠٠
و من ثم كان لنا هذا اللقاء من أرض ليبيا الحبيبة ، حيث عبق التاريخ و روعة المكان ، و ملحمة المجاهد عمر المختار ، التي من ظلالها ينطلق الليبي دفاعا عن وجوده و وحدة أراضيه وهويته العربية بكل مظاهرها ٠٠
فالشعر هو الصوت الحياة القوي و رسالة الحب و الجمال و السلام ٠
ولذا كان هذا الإبحار مع شاعرة تمتلك ناصية القصيد العمودي ذات الفصحى الفيحاء والمفردات و الصور و الأخيلة و الإيقاعات و الرمز الذي ينطق بجماليات الفلسفة التأملية ٠٠
و لم لا فهي في حقل التربية تغرس القيم و التراث بين العراقة و الحداثة في علاقة وطيدة انها شاعرة اجدابيا ” فاطمة الرقعي “، التي تغرد في جرأة و تمرد وسط الصراعات و القلق في استدعاء الماضي الجميل بروح العصر هكذا ٠٠ !! ٠
* نشأتها :
=======
ولدت الشاعرة الليبية فاطمة جبريل الرقعي بأجدابيا ، عام ١٩٨٠ م ، عملت معلمة رياضيات بوزارة التربية والتعليم الليبيةبالإضافة إلى حصولها على ليسانس فـي الدراسات الإسلامية …
و لها ديوان شعر جميل بعنوان ( أهازيج المغيب ) ٠
يحمل أغنيات للوطن و يناغي الطبيعة ،ترسمه بدلالة البيئة وريشة الاغتراب و تنفث فيه همساتها الصوفية التأملية ٠٠
وقد أعد أحد أساتذة الأدب العربي بجامعة عمر المختار بحثا عن شعرها وطبع في مجلة الجامعة الإسلامية بالبيضاء العدد السادس ٠
كما اختيرت إحدى قصائدها فـي ديوان نخبة الشعراء العرب ديوان صدى المنابر ٠
و لها في الأدب و الشعر حضور ،و من قضية الحب و المستحيل و الوطن تغزل قصائدها في لغة و صور تعج بالخيال و الإيقاع العربي الأصيل حيث تمتلك الخصائص الفنية لبناء القصيدة كما هو في مجموعتها الشعرية ….
و لم لا فهي تختصر طيف مسيرتها مع الشعر تترجم لنا مدى عمق تجربتها مع معشوقها الشعر واصفة لنا حالته في سطور :
هو الشعر مشبوب بمعضلةِ الجوى
إذا صادفته الريح يأتيك راغبا
تُمَاريهِ أعذارُ المغيبِ فلم يُعِرْ
لمنطقها سمعا وقد كان صاخبا
فيرعى نجوم الليل والجفن مُسْهدٌ
وينأى خيالا للرحيل مواربا !
ولله هذا القلب قد فاض لوعةً
فحتّام تقصيه المودة جانبا.
* من شعرها :
========
نتوقف مع موشحها الذي يعود بنا إلى ليال الوصل بالأندلس بين صمت و غناء تندب مواطن الجمال و الإبداع في عالمها المتداخل و المركب في صور بيانية لها بصمات ذات طلائع فتقول :
والذي نفسي بكفيه أرى
من جوى روحي أهازيج المغيب !
ويكأن الحرف أفناه الضنى
وانتهى الإنعاش من وحي الطبيب
كيف يسلو والهوا يحدو الهوى
رغم أنواء تماهت بالنصيب
أو يداري بوح من قد شفه
وجده الظامي لترياق الحبيب
لايلام الحرف في أوهامه
إن تداعت من أسارير الخطوب
حفها بالشعر حينا وانتحى
جانب الذكرى على أثر الندوب
تنفذ الأقدار رغم المشتهى
تضمر السلوى، وللبلوى وجيب!٠
***
و نتأمل هذه الأبيات التي ترسم صور و لوحة فلسفية حوارية ترصد فيها محطات الأحداث بين الزمان و المكان لتجسيد المشهد في انطلاقة خارج حدود المسافات بحس صادق و مشاعر نبيلة فتقول :
أوحى لك الوجد أم أودت بك العلل
رجما من الحزن لم تنبئ به الرسل
في جعبة الروح خيبات ممددة
ظلت على كفها الآمال ترتحل
فما لروحي إذا شط الهوى وبدا
في لمحة من سراب الحلم يختزل
كأن خابية الأيام صومعة
ماظل في ركنها شيخ فيبتهل
هبني سلوت فماللقلب من دعة
قد ضاق ذرعا وأعيت نبضه الحيل .
لاتطرق الباب فالأنواء مضرمة
ماخلته غافيا في العمق يشتعل
وكل يوم له من حين مطلعه
نبش على الجرح لايهدا فيندمل
أوقدتُ للنور أحلامي فما برحت
تزجي حنينا ويرخي دمعه الطلل
وإن يكن نبضك الشاكي لهم طربا
فلذ بصمتك تبيان الجوى زلل .
***
ومع إبحارنا الممتع في ديوان الشاعرة تتملّكنا الدهشة في هذه الأبيات التي نستشرف من خلالها الروح الثورية الوطنية المشبوبة بلوعة ومعاناة الإنسانية الرافضة للظلام والظلم والتوّاقة للنور والعدل !
حين تصف لنا فداحة هجوم داعش الإرهابي على بلادها فتقول
انزف دما فالنصل حاد
وحناجر التاريخ غصت في تراتيل العباد
من صيحة عادت ثمودا أم بريح مثل عاد !
وتعود عبر مقطوعة جيّاشة أخرى تستدعي ذكرى الحنين وتبكي على أطلال الراحلين وتندب ذكريات الأمن والزمن الجميل فـي بلادها فتقول :
نفسي وأدت ومابعثت نبيا
يستيقن الفجر الكذوب عشيا
ويرتل المعنى الذي في داخلي
ليشم عطر الراحلين نديا
قد طال صوم الحرف ماعن طوعه
ظمآن إذ صار السراب رويا
لما انتبذت من الحروف أقاصيا
هزت برفق عهدها المنسيا
مااساقطت ذكرى الحنين بخافقي
إلا وأثمله الحنين شجيا
وعليه من سمت النخيل جلالة
لو كان يدرك سرها المخفيا
ليت الحكاية كل ما يفضي الندى
بدمي الشجون السامرات نجيا
تنهال في صمت على الوطن الذي
صار الأمان بظله مبكيا ٠
***
هي باختصار ترنيمة عشق تحاكي الواقع في تناغم موصولة مع رحلة الذكريات فرحا وحزنا كالطائر العائد مع المساء من مواسم الهجرة وزمن الحب و الحرب ليحكي لنا كيف كان موال التوائم روحا وجسدا بين معالمها الغراء :
في مدى المعنى ،تجلت أحرف
لا يشب البوح عن أطنابها .
ما احتواها الزيف في نسغ الرؤى
لا ولا التفت على أعقابها
لو يغيب الفجر عن ردهاتها
يستدير الشوق في أهدابها
هزها ياطير إما أومأت
وارشف النجوى على أنخابها
تلكم الغاية مهما أفلتت
تعلق الأشعار في أزغابها
—
و في النهاية نتمني ان نكون قد حلقنا نحو عالم شاعرتنا فاطمة الرقعي عاشقةالشعر والوطن فقصائدها تسير مع ركب الشعر الخليلي مرايا للعصور تسجل تطور حركة الابداع و الحداثة مع روح العصر في قالبها الأصيل لمقاييس القصيدة العربية من خضم ليبيا الحبيبة دائما ٠