الشاعر البائس كما أطلقوا عليه
ترددت في نقل ما كتب عنه في هذا الوقت .. لكن لعل الله أراد أن يرزقه دعوات بالمغفرة والرحمة في شهر الخير والرحمة.
من هو هذا الشاعر الذي لم يمشي في جنازته أحد ولا حتى أقرب أصدقاءه، سوى أربع أشخاص كما سنرى في هذا البحث الذي نقلته من النت. “ولد فهد بن صالح بن محمد بن عبدالله بن علي العسكر في الفتره ما بين عام 1914 و1917
من أسره قدمت من نجد للرزق و التجاره،و أول من حضر الى الكويت كان جده محمد حيث طاب به المقام في الكويت حيث أنجب أبناءه و عاشوا هناك و من بينهم والد فهد العسكر.
نشأ فهد العسكر في بيت يحكمه الدين و التقاليد، فتشرب فهد الدين في سن مبكره، و كان حافظا للقرآن كاملا في سن صغيره و كذلك درس القرآن و التجويد كحال أترابه عند المطوع.
بعد حفظ القرآن،دخل فهد المدرسه المباركيه حيث درس الحساب و اللغه العربيه و الدين، و كان مولعا بدراسة اللغه العربيه و النحو و البلاغه، و لاحظ استاذه موهبته المبكره في تنظيم الشعر،فكان يشجعه و يهديه كتب الشعر كدواوين البحتري و المتنبي و أبو العتاهيه و غيرهم من كبار الشعر العربي.
فتولع فهد في قراءة الدواوين، فأصبح حريصا على اقتناء جميع دواوين الشعر العربي و كان ينظم الشعر و يريه استاذه لإبداء رأيه حتى اشتد عوده في الشعر.
بعد الانتهاء من الدراسه، اصبح فهد زبونا دائما في المكتبات لإقتناء المجلات الأدبيه و كتب الفلسفه و الأدب، و لكن لم يرق ذلك لوالده الذي لاحظ فيه قلة تشدده بالدين بعد الإطلاع و القراءه فأصبح مهملا للصلاة و العبادات و غضب والده منه و طلب منه ألا يدخل هذه الكتب اللتي ألهته عن فروضه الى البيت.
شعر فهد العسكر
أحب فهد العسكر فتاة فقال فيها :
بأبي وأمّي من مددت لها يدي … بعد العِشاءِ مصافحاً في الأحمدي
غيداءُ عرّج بي عليها أغيدٌ … في دارها أنعم بذاك الأغيدِ
لبّيت داعيها وصافحَ قلبها .. قبل اللقا قلبي وقبل تقيّدي
ذُقت الهوى وكأنني ماذقته …حتّى دخلتُ ولامَست يدَها يدي
الّفت بيّن جماله وجمالها … في ليلةٍ أدمت قلوبَ الحسَّدِ
قد كان لي رأيٌ فلما زرتها… أيقن ان الحُسن حسن الخرّد
و لكن، رفض أهلها تزويجها به و فضلوا عليه رجل كبير السن و غني،و يأس فهد من حال مجتمعه فقال :
نوحي
نُوحي بعُقرِ السجنِ نوحي ..فصداهُ في أعماقِ روحي
نوحي فقد سالت جروحُكِ مثلما سالت جروحي
نوحي فما أغنى غَبوقُكِ لا ولا أجدى صَبوحي
نوحي وبالسِّرِ المقدّسِ لا تبوحي او فبوحي
**********
نوحي فجسمكِ مثل جسمي قد طواهُ اليأسُ طيّا
نوحي فروحُكِ مثلُ روحي كمْ كواها الَوجدُ كيّا
نوحي فنفسُكِ مثلُ نفسي لم تجد زاداً وريّا
يا للشقاءِ ، ويالبؤسِ شقيّةٍ تهوى شقيّا
**********
نوحي فقلبُكِ مثلُ قلبي لم يبُلَّ أوامهُ
نوحي على طللِ الصّبا ، واستعرضي ايّامه
نوحي على الحبّ البريء وكفّني أحلامه
نوحي على القلبِ الجريحِ وشيّعي أوهامه
**********
نوحي على جَدَثِ المنى في غور خافِقِكِ الكئيبْ
نوحي فقد ولّى الربيعُ وأجدب الوادي الخصيب
نوحي فكم قمريّةٍ فيه تنوحُ وعندليب
وهناك كمْ من زهرةٍ ذبُلت ، وكم غُصنٍ رطيب
**********
ليلايَ ، يانجوايَ ، يادُنيايَ ، يا املي الوحيد
طَوتِ الفُرُوقُ بساطنا وتنكّر العيشُ الرّغيدْ
والذكرياتُ مطلّةٌ من كُوَّةِ الماضي البعيد
ترنو لحاضِرنا الشقيِّ وتندبُ الماضي السعيدْ
**********
يابنتَ من وأد الفضيلةَ بين أحضانِ الرذيلة
وطغى فراح يبلُّ من دم كلّ منكوبٍ غليلهْ
لَهَفي على تلك المشاعر والأحاسيسِ النبيلهْ
وعلى جمالِكِ والشّبابِ الغضّ ، لهفي ياخميله
**********
ياللشراسةِ والرعونةِ والحماقةِ والجهالهْ
يا للدناءةِ والسفاهةِ والسفالةِ والنذالهْ
باعوكِ بالثمن الزّهيد ، فأين ياليلى العدالهْ
وسَقَوكِ كأساً ملؤها صاب الأسى حتى الثّمالهْ
**********
زجّوك وا أسفاهُ في سجنِ التقاليدِ القديمهْ
للهِ ما كابدتِ فيه من الأساليبِ العقيمهْ
لا دَرَّ درُّكَ من أبٍ فَظٍّ ووالدةٍ لئيمه
ياقاتل اللهُ التعصّبَ ، كم تمخَّضّ عن جريمهْ
**********
حجبوكِ عن عيني ، وعين القلبِ تخترقُ الحجابْ
فليوصِدوا ـ سُحقاً لَهُمْ ـ بيني وبينكِ الفَ بابْ
حربٌ ، وكم ياربّ أعلنها الثعالبُ والذئابْ
تُذْكي المطامعُ نارَها ، ووقُودُها مُهَجُ الشّباب
**********
قد أرغموكِ على الزواجِ بذلك الّشيخِ الوضيعْ
أغْرَاهمُ بالمالِ وهوَ المالُ معبودُ الجميع
فقضوا على آمالنا ، وجنوا على الحبِّ الرفيعْ
ما راعَ مثلُ الوردِ يذْبُلُ وهو في فصلِ الربيعْ
**********
قد زيّنوا الأحداثَ ـ ويلهمُ ـ وسمَّوها مَخَادع
كمْ ذُوِّبَت فيها كُبودٌ ، واكتوَت فيها اضالِعْ
وتحطّمتْ مُهَجٌ ، وسالت أنفُسٌ ، وجرَت مدامعْ
هذا ، وما من زاجِرٍ ، كلاّ ولا في الحيِّ رادعْ
**********
زُفَّت وهلْ زُفَّتْ فتاةُ الحيِّ للزوجِ الحبيبْ ؟
هل أخفَقَت أم حقَّقتْ بزفافها الحلْم الذّهيبْ
وارحمتاهُ لها ، فقد زُفَّتْ الى الِّسجنِ الرهيبْ
وغَدَت بهِ نهْبَ الجوى ، والشَّجْوَ ، والهمّ المُذيب
**********
هل كانَ في استقبالها فيه سِوى شَبَح الرّدى
قَد أُدْخِلت ليلاً عليهِ فكان ليلاً سَرْمَدَا
شُلّتْ يداهُ فكمْ بها عاثَت ، الا شُلَّت يدا
وحسا على صرخاتها دَمَها الزكيَّ وعربدا
**********
أو كانَ أهلُكِ يافتاتي والأقاربَ والصِحابْ
إلا الأراقم والعَقاربَ والثعالبَ والكلابْ
قدْ شيَّعوكِ ، فخَبِّريني بعدَما طُويَ الكِتابْ
ماذا لقيتِ بذلك القَبر المخيفِ من العَذاب
**********
ليلى ، وما الدُنيا سِوى نارِ الكريمةِ والكريمْ
أوّاهُ من داءٍ قد استشرى وَجُرْحٍ في الصّميمْ
رَبّاهُ رِفقاً بالجديدِ ، فكمْ شكا جَوْرَ القديمْ
وطَغَتْ أبالِسةُ الجحِيمِ على ملائكةِ النعيم
**********
يا للمهازلِ والجرائِمِ والمآسي والمساخر
غَدَتِ العذارى كالعقائدِ والمباديء والضَّمائِرْ
سِلَعاً تُباعُ وتشترى علناً بأسواقِ الحَواضِرْ
والرَّابحون بها لهُمْ منّا التّهاني والبشائِرْ
ياللحزن الذي هذه القصيده و الغضب و الأسى على حاله و حال مجتمعه الذي اغراه المال و زجوا فتاته الى سجن التقاليد كما قال في هذين البيتين :
زجّوك وا أسفاهُ في سجنِ التقاليدِ القديمهْ
للهِ ما كابدتِ فيه من الأساليبِ العقيمهْ
لا دَرَّ درُّكَ من أبٍ فَظٍّ ووالدةٍ لئيمه
ياقاتل اللهُ التعصّبَ ، كم تمخَّضّ عن جريمهْ
و بسبب هذين البيتين، زاد انعزال فهد عن مجتمعه فوصموه بالملحد و الكافر و الخارج عن التقاليد، فزاد حزن فهد العسكر من حاله في بلده الكويت فقال :
كفّي الملامَ وعلليني *** فالشك أودى باليقينِ
وتناهبت كبدي الشجون *** فمن مجيري مِن شجوني
أين التي خلقت لتهواني *** وباتت تجتويني
أماه قد غلب الأسى ***كفي الملام وعلليني
أرهقتِ روحي بالعتاب *** فأمسكيهِ أو ذريني
أنا شاعرٌ أنا بائسٌ ***انا مستهامٌ فاعذريني
ضاقت بي الدنيا دعيني ***اندب الماضي دعيني
و إستمر حزن فهد العسكر و إحساسه بالظلم من قبل مجتمعه فقال :
وطني وماساءت بغير بنيك ، ياوطني ظنوني
أنا لم أجد فيهم خديناً *** آه من لي بالخدينِ
واضيعة الأمل الشريدِ وخيبة القلب الحنونِ
رقصوا على نوحي وإعوالي وأطربهم أنيني
وتحاملوا ظلماً وعدواناً عليّ وأرهقوني
فعرفتهم ونبذتهم لكنهم لم يعرفوني
وهناك منهم معشرٌ *** أفٍّ لهم كم ضايقوني
هذا رماني بالشذوذِ *** وذا رماني بالجنونِ
وهناك منهم من رماني بالخلاعة والمجونِ
وتطاول المتعصبون وماكفرت وكفروني
لادرّ درّهمُ فلو حزت النضار لألهوني
أو بعت وجداني بأسواق النفاق لأكرموني
أو رحت أحرق في الدواوين البخور لأنصفوني
فعرفت ذنبي أن كبشي ليس بالكبش السمينِ
ياقوم كفّوا ، دينكم لكمُ ، ولي ياقومُ ديني
يا لها من قصيده تعاصر حتى حاضرنا الحالي! حيث قال العسكر :
أو بعت وجداني بأسواق النفاق لأكرموني
أو رحت أحرق في الدواوين البخور لأنصفوني
فعرفت ذنبي أن كبشي ليس بالكبش السمينِ
أبيات تحاكي واقعنا الحالي، فلو كان فهد العسكر باع وجدانه في سوق النفاق لأكرموه و لو حرق البخور في الدواوين لأنصفوه،و لكنه لم يكن كذلك فلم ينصفه مجتمعه..! شعر يصف حتى واقعنا الحالي للأسف.
و زادت عزله العسكر عن مجتمعه
أصيب فهد العسكر بالعمى بعد ان انعزل عن أهله و مجتمعه، فلا هو يسأل عند أحد و لا أحد يسأل عنه غير صديقه المقرب “عبدالله زكريا الأنصاري” و عاش وحيدا في غرفه في سوق واجف. و بدأ فهد العسكر يعاقر الخمر و ادمن شربها،و بدأ في تنظيم القصائد في الخمر و التغزل بها فيقول :
ثمّ قالـــت ورذاذا المـطرِ *** حبـس الطــيرَ ولمّا يطرِ
هاتِ بنت النخلِ يابن العسكرِ *** لا يطق الصحو في ذا البلدِ
و قال أيضا في الخمر :
ياساقي الخمر زدني فالرؤى هتفت *** بي ، وهي سكرى وما أغمضت أجفاني
و في الأبيات التاليه، يذكر فهد العسكر سبب تفضيله بنت النخيل (( الخمر المعصوره من التمر )) على بنت العنقود المعصوره من العنب و يقول :
عابوا على بنت النخيل بياضها *** ومذاقها فلووا بجيدِ نفارِ
وتشببوا بعصيرِ كرمٍ أصفرٍ *** قد شبّهوه تبجّحاً بنُضارِ
فأجبتهم والغيظ ملءُ جوانحي *** بُعداً لكم من شاردي الأفكارِ
لو لم تكن تدري النخيلُ بما لها *** من رائعِ الآياتِ والأسرار
أولم تكن تدري بطيب نتاجها *** لم تعلُ شامخةً على اِلأشجارِ
أولم ترو للكرم كيف حنا لها *** وجثا من الاجلال والإكبار
رغم إنكارنا للخمر و المعرفه بحرمته،إلا أن من الصعب عدم الاعتراف بالنظم الجميل و المعاني القويه للقصيده و جمال التعبير فيها،و لكنها للأسف كانت في الخمر التي كانت سلوى العسكر في عزلته عن أهله و المجتمع.
و مات فهد العسكر !
في عام 1951 إشتد المرض على فهد العسكر فزادت حالته سوءا و لم يزره أحد في المستشفى الأمريكاني أحد غير صديقه المخلص عبدالله الأنصاري.
توفى فهد العسكر في شهر اغسطس عام 1951، و لم يستطع صديقه عبدالله الأنصاري حضور جنازته خوفا من ان يزجر من قبل أهله، حيث قال عبدالله الأنصاري في احدى المقابلات بعد عدة سنوات قائلا : (( كان فهد العسكر يقول لو كنت صاحب جاه أو مال فسيأتون لجنازتي بالطوابير، و لكنني لست كذلك فلا أعتقد أن احدا سيأتي جنازتي و أنت منهم يا عبدالله )).
دفن فهد العسكر و صلى عليه أربعه فقط هم الإمام الشيخ عثمان العصفور و ثلاثه يمنيين من المهره فكان موته مناسبه و فرصه لأهله أن يحرقوا قصائده و التي لم يبق منها سوى القصائد التي إحتفظ بها صديقه عبدالله الأنصاري و الذي لولاه لما قرأنا أشعار فهد العسكر التي أصبحت بعد الإنفتاح الأدبي في الكويت في الستينات رمزا للحداثه و العبقريه الشعريه.
هكذا كانت حياة فهد العسكر،الشاعر الذي حورب من الجميع في حياته و كرم بعد مماته،فإستحق أن يكون رمزا للبؤس و الحزن و رمز للفكر السابق لعصره و زمانه.
لمعرفة المزيد عن فهد العسكر
– كتاب ” فهد العسكر، حياته و شعره” لصديقه الاديب عبدالله زكريا الانصاري و يحتوي على جميع أشعار العسكر التي احتفظ بها المؤلف و حافظ عليها من الاحتراق من قبل أهل فهد العسكر.
– سهرة “فهد العسكر” و هي في ثلاث حلقات تجسد حياة فهد العسكر و شعره و هي من بطولة : علي البريكي – علي المفيدي – ابراهيم الصلال – هيفاء عادل. و توجد في محلات الفيديو مثل مركز الفنون.
قصائد العسكر المغناة
-يا جاره و هي من غناء عبدالله الرويشد.
– و تغنى أيضا الفنان شادي الخليج بقصيده “كفي الملام و علليني” و لكنني للأسف لم أجدها في الإنترنت.